عادي
في الذكرى الأولى لرحيله

خليفة.. سيرة باقية ومسيرة خالدة

00:26 صباحا
قراءة 6 دقائق

ملف من إعداد: جيهان شعيب وراشد النعيمي

في مثل هذا اليوم 13 مايو من العام الماضي، انتقل إلى الرفيق الأعلى المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، عن عمر يناهز 73 عاماً، بعد مسيرة حافلة بإنجازات، ستظل باقية ومشهودة، على مدار الأيام والسنوات، وستتوارث الأجيال السيرة الطيبة للراحل الكبير، الذي واصل مسيرة الأب المؤسس المغفورله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، في النهوض بإمارات الخير، وتحقيق مكتسبات، ميزت الدولة عن كثير من الدول المتقدمة.

الشيخ خليفة بن زايد كان الرئيس الثاني لدولة الإمارات في 3 نوفمبر 2004 خلفاً لوالده القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي توفاه الله في 2 نوفمبر من ذاك العام، وكان الشيخ خليفة الحاكم السادس عشر لإمارة أبوظبي.

ويعد الشيخ خليفة، رحمه الله، خلف أصيل، في الحفاظ على ما أرساه السلف الحكيم، من مقدرات الإمارات التي قامت من الصحراء، وأضحت من كبريات الدول، في التقدم، والتطور، والنهضة التي تعم أرجاءها، والتحديث الذي شمل مناحيها كافة، بفضل الرؤى الواعية، والخطط المدروسة، والأهداف التي تنشد غداً أفضل دائماً، لدولة العز، والكرامة، والتسامح، والإنسانية، والرحمة.

الصورة

المولد والمسيرة

وفي السيرة، نجد أن الشيخ خليفة، رحمه الله، جاء مولده يوم 7 سبتمبر 1948 في قلعة (قصر) المويجعي في مدينة العين، وسُمّي بهذا الاسم تيمناً بجده الشيخ خليفة بن شخبوط، وهو أكبر الأبناء الذكور للشيخ زايد بن سلطان، وعاش الشيخ خليفة مع عائلته في مدينة العين، حيث كان والده الشيخ زايد يحكم العين، وتلقى تعليمه المدرسي في المدرسة النهيانية التي أنشأها والده، وكانت أول مدرسة نظامية في مدينة العين، وحفظ القرآن الكريم في صغره، وقضى معظم طفولته في واحات العين والبريمي بصحبة والده.

وكان الشيخ خليفة مرافقاً لوالده في معظم جولاته، وزياراته اليومية في منطقتي العين والبريمي، للنهوض بحياة القبائل فيهما، عقب الوقوف على همومهم، ومشاغلهم، وتطلّعاتهم وآمالهم، بما نال معه ثقة الجميع، واكسبه فنون الإدارة والاتصال، وتحمل المسؤولية، والعدالة، فضلاً عن دور المجالس العامة، التي كان حريصاً على حضورها، في تعليمه مهارات القيادة السياسية، وعن ذلك قال الشيخ خليفة في حديث صحفي عام 1990: كان والدي المعلم الذي أتتلمذ على يديه كل يوم، وأترسم خطاه، وأسير على دربه، وأستلهم منه الرشد، والقيم الأصيلة، والتذرع بالصبر، والحلم، والتأني في كل الأمور.

وإخلاص وسعي الشيخ زايد بن سلطان ،طيب الله ثراه، في تحقيق الرخاء، والرفاهية للقبائل، وتعزيز أمنهم، ووحدتهم الوطنية، ورعاية البيئة، والحفاظ على التراث الشعبي، كان له دور في ترسيخ القناعة لدى الشيخ خليفة بأن القائد الحقيقي هو الذي يهتم برفاهية شعبه، والتسهيل والتيسير عليهم، وتكرست لديه هذه القناعة أيضاً من خلال حضوره مجالس جده من جهة أمه (الشيخ محمد بن خليفة) والذي كان يتصف بالحكمة، والمهارات القيادية.

الصورة

مناصب متوالية

ولم يستمر الشيخ زايد طويلاً في العين، ففي أغسطس 1966 انتقل إلى مدينة أبوظبي ليصبح حاكم الإمارة، وعين نجله الشيخ خليفة الذي كان يبلغ 18 عاماً آنذاك، ممثلاً له في المنطقة الشرقية، ورئيس المحاكم فيها، وتمثل الشيخ خليفة بوالده في مواصلة البناء والتعمير، حيث عمل على تنفيذ مشاريع زراعية تنموية في منطقة العين، وفي 1 فبراير 1969 جرى ترشيح الشيخ خليفة لمنصب ولي عهد إمارة أبوظبي، وفي اليوم التالي تولّى مهام دائرة الدفاع التي أنشأها، وأصبحت لاحقاً النواة التي شكلت القوات المسلحة للدولة.

وفي 1 يوليو 1971، جرى إعادة هيكلة حكومة إمارة أبوظبي، وعُيِّن الشيخ خليفة وزيراً للدفاع والمالية فيها، وفي 2 ديسمبر 1971، حدثت القفزة الكبرى، بإعلان قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى الفور توجه الشيخ خليفة إلى ساحة قصر المنهل، وأمر برفع العلم الاتحادي على سارية القصر، ورفع يده بالتحية للعلم، ليعلن بذلك الإمارات السبع دولةً مستقلة، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أول رئيس لها

الصورة

تحقيق التنمية

وبتوالي السنوات، وفي 23 ديسمبر 1973 تولى الشيخ خليفة منصب نائب رئيس الوزراء في مجلس الوزراء الثاني، ومن ثم في 20 يناير 1974، تولّى مهام رئاسة المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، والذي حل محل الحكومة المحلية في الإمارة، وأشرف على تحقيق برامج التنمية الشاملة في الإمارة، من بناء المساكن، وترسيخ نظام إمدادات المياه والطرق، وغيرها من المشاريع المهمة التي أبرزت مكانة الإمارة.

في مايو 1976، عُيّن الشيخ خليفة نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة للدولة، في أعقاب قرار المجلس الأعلى للاتحاد بدمجها تحت قيادة، وعلم واحد، وفور ذلك عمل الشيخ خليفة على أن تكون المؤسسة العسكرية معهداً كبيراً لإعداد كوادر بشرية مدربة، وأمر بشراء أحدث المعدات، والمنشآت العسكرية، وفي العام ذاته أمر بتأسيس جهاز أبوظبي للاستثمار، لإدارة الاستثمارات المالية في الإمارة، وبالتالي ضمان توفير مصدر دخل ثابت للأجيال القادمة، وترأس الشيخ خليفة المجلس الأعلى للبترول بالدولة، ومجلس إدارة صندوق النقد العربي، ومجلس إدارة جهاز أبوظبي للاستثمار، وأيضاً كان ممثلاً للدولة في الهيئة العربية للتصنيع.

الصورة

رئاسة الدولة

وفي 2 نوفمبر 2004، وعقب وفاة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عن عمر 84 عاماً، وبعد أن حكم الإمارات لمدة 33 عاماً، تولى الشيخ خليفة حكم إمارة أبوظبي في اليوم ذاته، بصفته ولياً لعهدها، وفي اليوم التالي 3 نوفمبر عقد المجلس الأعلى للاتحاد اجتماعا برئاسة الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، انتخب خلاله المجلس الشيخ خليفة رئيساً لدولة الإمارات العربية المتحدة، بحسب المادة 51 من دستور دولة الإمارات التي تنص على أنه «ينتخب المجلس الأعلى للاتحاد من بين أعضائه رئيساً للاتحاد ونائباً لرئيس الاتحاد، ويمارس نائب رئيس الاتحاد جميع اختصاصات الرئيس عند غيابه لأي سبب من الأسباب»، وأُعيد انتخاب الشيخ خليفة لفترة رئاسة ثانية في نوفمبر 2009، وثالثة في 2014، وفترة رئاسة رابعة في 2019.

وفي أول خطاب للشيخ خليفة «رحمه الله» بعد توليه رئاسة الدولة قال: «ما وصلت إليه بلادنا من مكانة ورفعة، وعزة، وما تنعم به من طمأنينة، ورخاء، هو ثمرة مسيرة طويلة من الجهد، والمثابرة، والعمل الشاق الدؤوب، قادها فقيدنا الكبير بحكمة، وحلم، وصبر، إذ رسخ كل ثروات البلاد، ونذر حياته لبناء الوطن، وتقدمه، وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين، والمقيمين على أرض الدولة، حتى أصبحنا على ما نحن عليه اليوم، لقد ترسخت دعائم اتحادنا الشامخ، وأصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة، والحمد لله، علامة بارزة على تقدم الدول، والأمم، بما انتهجته من سياسات حكيمة، وحققته من منجزات عظيمة، وما تنعم به من أمن، واستقرار، وازدهار، وطمأنينة».

الصورة

طفرة نوعية

وشهدت الإمارات في عهد الشيخ خليفة، طفرة نوعية في الخدمات، وتطور كبير في المرافق كافة، وحازت الدولة مراكز متقدمة على مستوى صعد عدة، حيث احتلت المركز الثالث عالمياً في مؤشر ثقة المواطنين بالقادة السياسيين فيها من بين 148 دولة في العالم، بحسب تقرير التنافسية الدولية للمنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» لعام 2013-2014، كما صنّف تقرير المسح الثاني للأمم المتحدة لمؤشرات السعادة، والرضا بين شعوب العالم لعام 2013، دولة الإمارات في المركز الأول عربياً، والرابعة عشرة عالمياً التي حققت السعادة، والرضا لمواطنيها، كما صنفت صحيفة التايمز الشيخ خليفة بأنه من القادة الخمسة والعشرين الأكثر تأثيراً في العالم.

وكان الشيخ خليفة حريصاً على متابعة مشاريع التطوير، وتحديث البنية التحتية، وتولّى الإشراف على ما عُرف بمفاوضات المشاركة النفطية التي أعادت صياغة السياسة النفطية، ووضعت الأسس للعلاقة مع الشركات النفطية العاملة، وتولى - تبعاً لذلك - رئاسة المجلس الأعلى للبترول، واستمر ذلك حتى وفاته، كما أسس وترأس جهاز أبوظبي للاستثمار، الذي يشرف على إدارة الاستثمارات المالية لإمارة أبوظبي، ضمن رؤية إستراتيجية لتنمية الموارد المالية.

كما أسس الشيخ خليفة دائرة الخدمات الاجتماعية والمباني التجارية، التي عُرفت بين الناس (بلجنة الشيخ خليفة)، وتولت تقديم تمويلات سخية للمواطنين بدون أي فوائد، لإنشاء مبانٍ تجارية تدرّ عليهم عوائد مالية دورية، بما أسهم في زيادة دخولهم، ورفع مستوياتهم الاقتصادية، والاجتماعية، كما عمل على بناء جهاز إداري حديث، ومنظومة تشريعية متكاملة، فضلاً عن تعديله أسلوب اختيار أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، بحيث يتم الجمع بين الانتخاب والتعيين كخطوة أولى.

صفات أصيلة

واتصف الشيخ خليفة بصفات عدة، حيث كان منضبطاً، وجاداً بلا حدة، ومتواضعاً في التعامل، ودمثاً، ودقيقاً في المواعيد، وكان برنامج عمله اليومي موزعاً بين مهامه الرسمية، واللقاءات مع المواطنين، كما كان مستمعاً جيداً، وهادئ الطباع، وكريماً، حيث حرص على مد يد المساعدة، والمساندة إلى كل محتاج دون تمييز، أو تفرقة، أو نصرة فئة على أخرى، لأي سبب كان، فأسس (مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية) والتي مدت يد العون، بمشاريع إنسانية في أكثر من 40 بلداً حول العالم.

وكانت للشيخ خليفة بعض الهوايات، منها صيد السمك، والصيد بالصقور التي اكتسبها من والده، كما أسهم في رعاية برامج ومشروعات للمحافظة على البيئة الطبيعية في مناطق الصيد، وعلى رأسها تحرير الصقور بإعادتها إلى بيئتها الطبيعة، مع نهاية كل موسم صيد، وبرامج إكثار طيور الحبارى، وأيضاً كان قارئاً للتاريخ، ومحباً للشعر، والأدب.

وأخذت الرياضة جانباً من اهتمام الشيخ خليفة، حيث كان حريصاً على متابعة مختلف الأنشطة الرياضية في الدولة لاسيما كرة القدم، وعلى رعاية وحضور الأنشطة الرياضية الرئيسية، وتكريم الفرق الرياضية المحلية المتميزة، بتحقيق إنجازات، أو التي أحرزت بطولات محلية، أو إقليمية، أو دولية.

الصورة
1
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ym22f8wk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"