شنغهاي والتوازنات الدولية الجديدة

00:40 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

تفتح منظمة شنغهاي أبوابها لاستقبال المزيد من طلبات الدول بالانضمام إليها، رافعة لواء التعاون والاستثمار المشترك، بناء على قاعدة السياسة الخارجية الصينية المبنية على مبدأ «الربح للجميع». وبهذا تكون المنظمة «المتوسّعة» قد بدأت تفرض نفسها كخيار جديد لعديد الدول التي عانت علاقات عدم التوازن مع التكتلات الغربية.

 وإن كانت الحرب الأوكرانية ليست إلا ردّاً على الأحلام التوسعية لحلف الناتو الذي رغب قادته ومهندسو سياساته في أن يقف في تماسّ مباشر مع الحدود الروسيّة، فيبدو أن هذه الحرب لم تنجح في وقف تمدد حلف الناتو فقط، بل إنها منحت الفرصة لمنظمة شنغهاي، لكي تتوسع بطريقة أشمل نحو حلفاء الولايات المتحدة وتسحبهم واحداً تلو الآخر إلى هذا التحالف السياسي والاقتصادي والعسكري.

 فقد أعلنت دولة الإمارات والكويت، توقيعهما مذكرة تفاهم للانضمام إلى منظمة شنغهاي التي تقودها الصين، بصفة «شريك حوار»، وهو ما يمهد لهما الطريق للعضوية الكاملة مستقبلاً، لتلتحق بذلك بالسعودية ومصر وقطر وإيران وتركيا، وسط تنامي العلاقات الخليجية الصينية - الروسية في الفترة الماضية. 

ووفق وكالة الأنباء الكويتية، «وقعت الكويت مذكرة تفاهم للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون بصفتها شريك حوار». وأوضحت أن «التوقيع تم على هامش اجتماع مجلس وزراء خارجية منظمة شنغهاي للتعاون الذي عقد خلال الفترة من 4-5 مايو (أيار) الجاري في مدينة (باناجي) بولاية (غوا) غربي الهند». 

وقال سفير الكويت لدى الهند جاسم الناجم بعد توقيعه المذكرة، إن انضمام بلاده إلى «المنظمة بصفتها شريك حوار يعتبر خطوة أولى للانضمام إليها كعضو كامل خلال الفترة القادمة». وأكد أن «انضمام بعض دول مجلس التعاون الخليجي كشركاء حوار إلى منظمة شنغهاي للتعاون يؤكد الأهمية المتزايدة لمنظمة شنغهاي للتعاون، الأمر الذي سيؤدي إلى قيامها بدور أكبر في تطوير التعاون بين الدول الآسيوية».

 ويأتي هذا الانضمام ليطرح أكثر من سؤال حول آفاق منظمة شنغهاي التي تتوسع بخطى حثيثة ضامّةً إليها دولاً محورية في الشرق الأوسط مثل تركيا وإيران ومصر، وبذلك تتعزز المنظمة التي تضمّ نحو 3.5 مليار نسمة وتحوز نحو ثلث الاقتصاد العالمي وتُعَدّ «منظمة شنغهاي للتعاون»، منظمة دولية أوروآسيوية، تأسست في هيئة تحالف سياسي واقتصادي وعسكري، في مدينة شنغهاي الصينية، في 15 يونيو (حزيران) 2001، من ست دول مؤسِّسة، هي: الصين، روسيا، كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان وأوزبكستان. ثم توسعت المنظمة لتشمل تقريباً كل القارة الآسيوية، باستثناء اليابان وكوريا الجنوبية المرتبطتين بتحالفات مع الولايات المتحدة.

 وبحسب مراقبين، لن تتوقف منظمة شنغهاي عن استقطاب دول عربية وإفريقية جديدة، ذلك أن انضمام الدول العربية بصفة «شريك حوار» وهي الخطوة الأولى للانضمام بصفة رسمية إليها، سيعني لبقية الدول مساراً لا بد منه، خاصة وأن الدول التي أعلنت انضمامها هي دول وزانة اقتصادياً ومالياً وسياسياً، ولها من التأثير على بقية الدول العربية والإفريقية ما يجعل الأمر شديد الإغراء، بالنسبة لكثير من الدول الأخرى لتقديم طلبات الانضمام.

وبهذا يمكننا القول إن الصين بسياساتها الخارجية الهادئة والبعيدة عن التضخيم الإعلامي تسعى إلى إعادة رسم التحالفات الدولية وبناء جغرافيا سياسية جديدة، محرجة جداً للغرب وللولايات المتحدة بالذات التي أعلنت أنها تفقد السيطرة على حلفائها القدامى، فعلى سبيل المثال علقت الولايات المتحدة على المصالحة السعودية الإيرانية، بأنها لم تتدخل فيها، وذلك كان إقراراً بأن الواقع يتغيّر ولكن في صالح الشرق هذه المرّة.

 الخطى الحثيثة لمحور الشرق نحو التمدد، بقيادة كل من الصين وروسيا، تشير إلى أن حرب أوكرانيا ليست مسرح المواجهة الوحيد، فالتصادم آت لا محالة، والغلبة ستكون للأقوى الذي سيفرض قوانين العالم الجديدة، مثلما فعلت الولايات المتحدة حينما نصبت نفسها حاكمة للعالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أما آليات المواجهة فليست بالضرورة عسكرية، حتى وإن اتخذت في أوكرانيا شكل الحرب بالوكالة، بل إنّ المواجهة ربما ستكون شاملة هذه المرة وسلاحها هو الاقتصاد والمال أساساً، وهو الأهم بالنسبة لكثير من الدول التي عانت الاستغلال والظلم الغربي طوال عقود من الزمن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mubwucky

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"