متعة عدم الكمال

00:44 صباحا
قراءة دقيقتين

في البساطة سحر لا يضاهيه شيء، وفي السعي نحو الكمال جهد قد يؤتي أكله أو لا يفعل، وهذا هو المفهوم الذي يناقشه كتاب قرأته مؤخراً يحمل عنوان «متعة الكمال» لكاتبه ديمون زهاريادس، في محاولة لتقديم مفهوم جديد لقياس النجاح، وأساليب للتوقف عن المماطلة، والبدء في النظر إلى الأمور بصورة باعثة على الإنجاز والتحقق. فما هو الكمال وأنواعه، وكيف يمكن أن يحرمنا هذا السعي من تحقيق أهداف حياتنا؟

هناك أنواع عديدة من الكمال تندرج تحت تصنيفين رئيسيين هما: الكمال التكيفي والذي يعني السعي إلى تحقيق المعايير العالية، مع الاعتراف بعدم معقولية تحقيق الكمال التام، أما التصنيف الثاني فهو: الكمال اللاتكيفي والذي يعني: السعي إلى تلبية أهداف غير واقعية وتوقع تحققها في كل مرة، ما يعرضهم للنقد الذاتي الشديد في حالة الفشل، وهناك أنواع فرعية تندرج تحت هذين التصنيفين مثل: الكمال المنصوص عليه اجتماعياً، والموجه للآخرين والعصابي، والكمال ذو النزعة العاطفية، لكن ما هي أسباب ظهور هذه النزعات في شخصياتنا؟

هناك العديد من الأسباب المحتملة والتي تنبع جميعها من الخوف، القلق، التعاسة وامتلاك قناعة غير عادلة فيما يتعلق بتقييم النفس والآخرين، وأول تلك الأسباب هي: الخوف من الفشل، حيث يحدد الشخص مساره من خلال منظورين وحيدين لا ثالث لهما، النجاح أو الفشل، أما ثاني الأسباب فهو: الشعور بالخزي النابع من الإحساس بالنقص وعدم الكفاية، وهناك الشعور بالفوضى الذي يجعل الإنسان يعتقد بأن حياته خارجة عن السيطرة فيسعى إلى جعلها خالية من العيوب بأي ثمن، ما يحول هذا السعي الذي يبدو مثالياً ونبيلاً للوهلة الأولى، إلى عثرة في طريق التقدم لما له من سلبيات كثيرة على حياة الفرد.

يجعلنا السعي المرضي إلى الكمال أقل تكيفاً مع الظروف المتغيرة، يشجعنا على تبني عقلية كل شيء أو لا شيء، يثنينا عن المجازفة، يعمق سلبيتنا الذاتية تجاه أنفسنا، يضعف من قدرتنا على اتخاذ القرارات، يجعلنا عرضة للتسويف، يزيد من مستويات التوتر، يعيق الإبداع، ويمكن أن يضر بعلاقاتنا الاجتماعية بشكل كبير، فكيف يمكن التعامل مع هذه الحالة؟

إن نقطة الانطلاق الأساسية للتعامل مع هذا التحدي في الشخصية، هي إدراك أن أي شكل من أشكال التطور الشخصي يتطلب منا التقدم ببطء وبشكل تدريجي، ما يسهم في خلق عادات جديدة ومنحنا الوقت الكافي للتأقلم معها، كما أن التغلب على الكمالية يستدعي أن فكرة الكمال ناقصة بحد ذاتها وغير صحية، إضافة إلى أن رفع مستوى الوعي الذاتي بما يدور في النفس من حديث ناقد وسلبي، أساسي في عملية التقدم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/29f4bz56

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"