المثقف والنظام العالمي الجديد

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل فكّر المثقفون العرب في مستقبل الثقافة، بآدابها وفنونها، في النظام العالمي الجديد؟ إذا خطر ببالك سؤال من قبيل: وما دخل الثقافة في مثل هذا التحول، فتلك مصيبة، فعندئذ تكون من دون أن تدري، قد حكمت على الثقافة بأنها خارج التاريخ وخارج الفعل، لا تؤثّر ولا تتأثر، فالمصيبة أعظم.
صحيح أنه ليس من الرصانة العقلانية أن يتوقع المرء مصادفة المعجزات في كل منعطف زقاق، لكن من الممكن أن يسأل المثقف العربي نفسه مثلًا: أين كان الوعي اليقظ الفطن طوال عقود الخدر والتنويم بأقراص «القيم الحضارية الغربية»، بينما كانت أرضتها تنخر دعائم الشعوب والأمم دعامةً دعامةً، فتتهاوى كأحجار الدومينو؟ على المثقف أن يأخذ نفَساً عميقاً من حِلم معن بن زائدة، وأن يتخيل ببرودة أعصاب في الصفر المطلق، أحد البلدان العربية التي انقضّت عليها رَخَم القيم الحضارية وتركتها عظاماً رميماً، هناك، يقف مسؤول على تلال بعض الخرائب مخاطباً سحابةً بإلقاءٍ مسرحيّ مهيب: «أمطري حيث شئت فخراجك ليس لي».
يجب الاعتراف بأن الصورة قاسية تستوجب الاعتذار، فالسؤال الأنسب، والرأي السديد للقارئ، هو: أيّ قيم حضارية تلك التي دوّخوا بها العرب أكثر من قرن، فلم تقم لهم قائمة تنموية، علمية، صناعية، زراعية، تقانية ولا حتى ثقافية؟ ليس دفاعاً عن الماضي، لكن قارن ما كان عليه الشعر العربي في النصف الأوّل من القرن العشرين، بأحوال الشعر اليوم؟ كيف كانت اللغة العربية والفكر والآداب والنقد؟ كيف كانت الموسيقى والمسرح والسينما؟ بل كيف كانت معنويّات العالم العربي وروحه وطموحه والعلاقات البينيّة؟ الدول العربية التي حققت التنمية الشاملة والازدهار والرخاء، أقل حتى من 20%، في مقدمتها دولة الإمارات.
إذا كان المثقفون العرب يرون أنهم لا تهمّهم قضايا من قبيل الانهيار إلى مستوى النفط مقابل الغذاء، وتبخّر سلة الغذاء العربي، ومحو ذاكرة التاريخ الحضاري في سوريا، فإن عليهم أن يسألوا تلك القيم الحضارية، وهذا موضوع فكري أي ثقافي فلسفي: كيف يُعقل أن تدمِّر القيم الحضارية الديمقراطية إمكانيّة انبثاق أيّ حلم حضاريّ أو ديمقراطيّ؟ ما يبشّر بخير هو أن القيم الحيوية تبدو كأنها تتدفق من روح أمميّة، فإذا لم يفلح قوم في إعلائها هبّت لها أقوام أخرى، وهذا هو ما تبلور في نشوء النظام العالمي الجديد، الذي لم يعد لعقل استشرافي بعيد الرؤية والرؤيا أن يشك فيه.
لزوم ما يلزم: النتيجة التصحيحية: النظام العالمي الجديد ستكون له انعكاسات جذريّة حتميّة على منظومة القيم الثقافية، بلا ريب، فما هو دور العرب؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2xdjyz6n

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"