ولَكُمْ في العِلْمِ حيَاةٌ

00:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

لقد خلَق اللهُ الخلقَ وأكرمَهم بما أنعَمَ عليهم، ولكنَّ أعظمَ تكريم تفضَّل اللهُ به على خلْقِهِ هو تكريم بني آدم؛ حيث حمَلَهُمْ في البر والبحر وفضَّلَهُم على كثيرٍ ممَّنْ خَلَق: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» [الْإِسْرَاءِ: 70]، قال ابنُ عباس: «كرَّمهم بالنطق والتمييز؛ فحمَلَهم في البر ركوباً على الدوابّ، وحمَلَهم في البحر ركوباً على السفن، فذلَّل لهم ركوبَ الحياة أينما حلُّوا»، قال تعالى: «وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ» [يس: 72]، ومن هنا يتجلَّى فضلُ الله على بني آدم في إكرامه لهم على كثير من المخلوقات وليس جميعها؛ فهناك مَنْ هم أعظم خَلْقاً من البشر؛ وهم الملائكة في عِظَم خَلقِهم ومكانتهم، إلا مَنِ اصطفاه الله تعالى من البشر كمحمد -صلى الله عليه وسلم-، ولكن الله -تعالى- وضَع بين البشر ميزاناً آخَرَ للتفاضل الحقيقي في ما بينهم ومنه العِلم.
 ونود هنا أن نسلِّط الضوءَ على عظمة هذا المفهوم (العِلم) الذي حفَّه اللهُ بالبركة، بل بارَك لمن يَصدُق معه بأن جعل له في العِلم حياة، فيُنَعَّم صاحبُه فيه بحيوية ونشاط مهما بلغ من العُمر، بل يحيى حياةً طيبةً مباركةً؛ لأن العلم يرتبط بالتفكير والدماغ الذي يقوم بدوره الوظيفي في معالَجة النصوص وصولاً إلى النتائج التي تُبنى على الاستنباطات والاستقراءات والاستنتاجات والتحليلات وغيرها من العمليات العقلية العليا خاصةً.
 لذا فإن (لكم في العلم حياة) أي: يظلّ العِلم يحافظ على صاحبه بما يُضفيه عليه من تجديد للفكرة خاصةً، مع كل ما هو مستجِدّ في مجال الاختصاص أو ما يُسمى بالهوية التخصصية في مجال الدراسة، وهنا يشعر بالحياة في أسمى معانيها مع بركة العِلم وفضله، بل الرفعة التي ينالها بالعِلم، وهذا هو المعنى الحقيقي ل (ولكم في العِلم حياة)، هكذا علَّمَنا والدُنا سلطان حاكم الشارقة - يحفظه الله ويرعاه - حيث يقول: «قد يَعرِف بعضُكم أنني أقرأ وأكتب عن التاريخ منذ فترة طويلة. وأعتقد أن ذلك يجري في دمي، ولن أكفَّ عنه طوالَ العمر»، فهي رسالة إلينا جميعًا بأن العلم هو حياة للعقلاء، وهو دأب الحكماء، وهكذا أحيا سموُّه الشارقةَ بدُور العِلْم، وصُرُوح الجامعات، وقِباب الأدب. 
 في إحدى المناسَبات بإحدى الجامعات دُعيتُ إلى تقديم كلمة ضمن برنامج أحد الملتقيات بالجامعة، وكان أغلب الحضور من أساتذة الجامعة الوقورين ممَّن تقدَّم بهم السن وبلغوا مبلغاً من العلم، فاستحييتُ في مقامهم أن أتقدَّمَهم بكلمة، ولكن كلمة المركز التربوي فرَضَتْ عليَّ أن تُقدَّم في بداية الفِقرات، فبدأتُ الكلمةَ، وبعد الترحيب رأيتُ الهيبةَ ووقارَ العلم في أولئك الحضور من العلماء والأساتذة الأجلَّاء، فتعاظم بي الموقفُ، فما كان مني إلا أن أوَجِّبَ إجلالهم، فبعد التحية والترحيب قلتُ لهم: أيها الأساتذة الأجلاء، إنَّ الشباب الحقيقي هو شباب العقل وليس السن، وشباب العقل هو أن يظل العقل منتِجاً للعلم والمعرفة، فما دامت عقولكم تُنتج العلم وتتدفق بالمعرفة فهذا هو الشباب في حقيقته، بينما أكثر الشباب ورغم هيئتهم الشبابية ما زالوا في طَوْر السعي لاكتساب العلم والمعرفة وما زالوا يطمحون إلى إنتاجكم العلمي، فالشباب بلا إنتاج هو شيخوخة، والشيخوخة المنتِجة بعِلمها هي شابَّة بذلك الإنتاج العلمي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdezd6a6

عن الكاتب

مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج بالشارقة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"