«في حضرة الإنصات»

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

إلى الذين يتركون أثراً بإنصاتهم.
الإنصات.. يعني أنك على استعداد لأن تبني جسوراً جديدة مع من حولك، أن تسهم في بناء الأفكار المختلفة، أن تشرع في الاحتواء. هذه هي حقيقة الإنصات.
يسعى الإنسان دائماً إلى اكتساب معارف جديدة وبناء علاقات إنسانية تثري حياته، وكل ذلك لا يتحقق الا بالإنصات، فنحن لا يمكن أن نسمع أنفسنا فقط، فالإنصات جزء من قبول الآخر وتقديره أيضاً وفتح المجال لزيادة خبرتنا بمن حولنا.
الإنصات يختلف عن الاستماع. فقد تكون مستمعاً جيداً ولكن ذهنك ليس معي، ولهذا يحقق الإنصات مسألة الاستماع وحضور الذهن. والإنصات فن لا يجيده الكثيرون. والمنصت الجيد هو الشخص المستعد لقبول أفكار الآخر دائماً. وهذا الفن دائماً ما يشعر الطرف الآخر بأنه محل ترحاب. وهذا ربما ما نفتقده في الحياة السريعة، فهي تأخذنا دائماً إلى وهم أننا لا نملك الكثير من الوقت ولسنا في «المزاج»، حتى نجلس مع أحدهم ونشعره بأننا منصتون له.
إن فعل الإنصات دواء لأولئك الذين يستعجلون في أخذ الأشياء من دون تأملها، أن تنصت يعني أن ذهنك حاضر لرؤية الأشياء من دون تشويش أو ضبابية، يعني أنك مستعد لاحتواء هذا الحديث.
في الحياة، قليلون هم الذين يتمتعون بملكة الإنصات، إنهم يشعرونك بالأمان لحظة حديثك، يشعرونك بأنهم اعتزلوا العالم لمدة ساعة من الزمن لينصتوا إليك. فالإنصات فعل تقدير ومحبة، ويدرك المتكلم ذلك لأنه بذل طاقة الكلام ليجد روحاً تحتوي هذا الكلام.
ويمكن إبراز أهمية الانصات كأحد أهم صفات القيادات الناجحة التي تبني فرق عمل تؤدي مهامها بروح الفريق الواحد، بروح الأسرة الواحدة وذلك لأنها أساسية لبناء الثقة، فعندما ينصت القائد فإنه ينقل إحساس الاحترام ويبني الثقة بينه وبين فريق عمله. اما الإنصات لفهم الاحتياجات ووجهات النظر فإنه يؤدي إلى فهم أعمق للتحديات التي تواجه أعضاء الفريق. والتي بدورها تسهم في اتخاذ قرارات حكيمة، ومعالجة المخاوف، وإنشاء استراتيجيات تتوافق مع احتياجات الأفراد أو المنظمة ككل.
أما التعاطف والذكاء العاطفي فذلك يمكّن القادة عبر الإنصات من التعرف إلى الإشارات غير اللفظية ونبرة الصوت والعواطف، ما يسمح لهم بالرد بتعاطف وتفهم. وهذا يعزز بيئة عمل داعمة وشاملة.
ومن أجل ترسيخ القدوة لدى الآخرين فهذا يعني أن يعطي القادة الأولوية للإنصات، وبذلك يقدمون مثالاً يحتذى به للآخرين. إذ يشجع هذا السلوك ثقافة الاستماع الفعال في جميع أنحاء المنظومة، ما يعزز التواصل والتعاون والأداء العام وعدم إطلاق الأحكام من دون تحري الدقة مع جميع الأطراف. وهذا بالضبط ما يفعله الإنصات.
إنه فعل حياة، ولا يقدر عليه إلا الذين يمنحون الحياة شيئاً من روحهم. فشكراً لأولئك الذين يحترفون فن الإنصات ليرسموا بهجة الناس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdecr8d7

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"