البلقان على فوهة بركان

00:55 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

تتوالى الأحداث المثيرة في قارة أوروبا؛ فبعد الصراع الروسي الأوكراني في شرق القارة تتسارع الأحداث المثيرة في قلب القارة، في منطقة البلقان، التي تُنذر بوقوع حروب مدمرة جديدة.

  هذه المنطقة التي تتداخل فيها إثنيات ومذاهب دينية مختلفة تعيش اليوم في قسم كبير منها في ظل استقرار مغلّف بأحقاد قديمة، كما هو حال البوسنة والهرسك التي يتناوب السلطة فيها البوشناق والصرب والكروات بشكل دوري، وهو الحل الذي فرضته اتفاقية دايتون لإيقاف الحرب هناك. لكن ذلك لا يعدو أن يكون حلاً مؤقتاً، فعوامل الصراع أكبر من أن توقفها أي اتفاقية، وتبدو مشكلة كوسوفو كرماد يستعر تحته لهيب قد يؤدي إلى انفجار واسع النطاق في قلب أوروبا.

  لقد وقع صدام خطير في هذا الأسبوع بين الأقلية الصربية في شمال الإقليم، وبين قوات الجيش والشرطة في الإقليم بعد أن قاطعت تلك الأقلية التي تمثل عشرة في المائة من السكان الانتخابات المحلية التي أُجريت في إبريل/نيسان في أربع بلديات شمالية، ما سمح للألبان بالسيطرة على المجالس. ودعمت صربيا مقاطعة تلك الانتخابات، والمطالبة بإنشاء اتحاد للبلديات الصربية في كوسوفو. وقد وضعت صربيا الجيش في حالة تأهب، وحرّكت وحدات عسكرية إلى الحدود مع كوسوفو. وبدا أن الموقف على وشك الانفجار.

  وكان إقليم كوسوفو هو آخر التقسيمات التي ظهرت من تفكيك دولة يوغسلافيا، وحصل على استقلاله عام 2012، وتواجه هذه الدولة عدة صعوبات أهمها المقومات الأساسية لقيام أي دولة؛ ألا وهي امتلاك مقومات السيادة؛ من حدود آمنة، وجوار مستقر، وإمكانات طبيعية، وقدرات بشرية قادرة على بناء الدولة، وضمان أمنها واستقرارها، وصنع مستقبل مشرق لها. لكن إقليم كوسوفو -الدولة الحديثة- لا تتجاوز مساحته 5000 كيلو متر مربع، وعدد سكانه أقل من مليوني نسمة، ولا يزال الإقليم محمياً من قِبل حلف شمال الأطلسي منذ الحرب التي خاضها الحلف بغطاء دولي آنذاك ضد صربيا عام 1999، والتي انتهت بتدمير الدولة الصربية وفصل إقليم كوسوفو عنها بالقوة، ولا تزال هناك قوة عسكرية دولية مكونة من أربعة آلاف جندي تعمل تحت إشراف حلف شمال الأطلسي، وذلك بموجب قرار الأمم المتحدة، وقد قال الأمين العام لهذا الحلف ينس ستولتنبرج في أغسطس/آب العام الماضي: “إن الحلف سيعزز قوة حفظ السلام التابعة له في كوسوفو في حالة تصاعد التوتر مع صربيا المجاورة.

  وفي المقابل، لا تزال صربيا متمسكة بالإقليم، وإن تظاهرت بعكس ذلك؛ إذ تَعدّه جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وتقول إن إعلان استقلاله انتهك اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه في نهاية حروب يوغوسلافيا السابقة. وتقف روسيا إلى جانب صربيا؛ إذ لم تعترف بكوسوفو حتى الآن دولةً مستقلة، وفي حال اندلاع صراع مسلح بين صربيا وكوسوفو -وهو أمر متوقع- لن تستطيع قوة حفظ السلام الأطلسية الدولية أن تتدخل لصد العدوان الصربي؛ لأنها بحاجة إلى قرار جديد من مجلس الأمن، ولن تحصل دول الغرب على أي قرار في ظل وجود روسيا في ذلك المجلس.

   ومن هنا بدأ الغرب يعمل على دفع كوسوفو إلى نيل عضوية حلف الناتو ليكون لدى هذا الحلف المبرر للتدخل لحماية أمنه. لكن هناك دول ضمن حلف الناتو لم تعترف باستقلال الإقليم وهي إسبانيا، واليونان، وقبرص، وسلوفاكيا، ورومانيا، ومن ثَم فإن هذه الدول لن تقبل انضمامه طالما أنها لم تعترف باستقلاله حتى الآن. وفي ظل هذا الواقع المعقّد تقف دول الغرب الرئيسية لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا أمام تحدّ كبير؛ فهي من جهة لن تقبل بإعادة ضم الإقليم إلى صربيا، ومن جهة أخرى لا تملك أي مبرر شرعي للتدخل في أي صراع قد ينشأ بين الصرب والألبان، وإن هي أصرّت على التدخل -كما حدث من قبل- فقد تحدث حرب عالمية؛ لأن روسيا سوف تتدخل وتدعم صربيا؛ ما سيؤدي إلى إعادة الحروب إلى قلب أوروبا، وهو الشيء الذي يعمل الأوروبيون على تفاديه ما أمكنهم ذلك.  

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ndy5kh3

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"