عادي

«في فمي لؤلؤة»..رواية مكتوبة بماء البحر

14:36 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: يوسف أبولوز

قراءة رواية «في فمي لؤلؤة» للكاتبة والشاعرة والرسامة ميسون صقر القاسمي،هي قراءة لتاريخ اللؤلؤ في منطقة الخليج العربي، وتحديداً في الإمارات. هي أيضاً قراءة لثقافة البحر ومظهرها الوجودي والمادي المعروف وهو «الغوص»، قراءة هذه الرواية البانورامية، الخرائطية، العوالمية هي أيضاً قراءة ثقافة الجبال وعلامات الجبال، والرواية أيضاً تحمل قصة حب بل أكثر من قصة حب، وهي أيضاً رواية شغف البحّارة بالشعر.

الرواية أيضاً هي رواية وثائق الرحّالة البحّارة الذي يجد بعضهم أنه منذور للماء والسفن والحب والمغامرة، وهي أيضاً قصة جرأة امرأة تتحدى منظومة اجتماعية وزوجية بأكملها وتغادر إلى الهند، وهناك تصبح تاجرة مرموقة، وهناك أيضاً تبحث عن حبها الضائع.

1

شبكة ظواهر ووقائع وأحداث وشخصيات هي رواية «في فمي لؤلؤة»، وعلى الرغم من أن عنوان الرواية يحيل مجازياً أو استعارياً إلى «الصمت» إلا أن الرواية فيها فيض وسيع من الكلام والحكي والسرد والتداعيات والصور والاستعادات والغنائيات القصصية الشفافة التي تجعل من الرواية التي تتألف من 590 صفحة من القطع المتوسط نقيضاً – كلياً للصمت على الرغم من أن «آمنة»، إحدى شخصيات الرواية وهي الأكثر جرأة والأكثر تأكيداً على حقيقة المرأة، حين تدافع عن حبها الجوهري «مرهون».. أقول إن «آمنة» هذه حاولت ألا ينزلق الكثير من الكلام من فمها، فوضعت لؤلؤة صغيرة في فمها، وقالت لمرهون في لحظة بوح: «يا مرهون ترى أنا أحبك»، وبذلك، لم يجدِ وضع لؤلؤة في فم امرأة، لمنعها من البوح عن حبها حتى ولو كان حباً مستحيلاً.

  • شبكة

أساس الرواية شابة أو لنقل امرأة اسمها: «شمسة» تدرس في القاهرة، وتعود إلى موطنها الأصلي الإمارات مع صديقة لها مصرية اسمها: مروة، لاستكمال بحث جامعي حول اللؤلؤ، وسوف ندرك أن ثمة علاقة إنسانية جميلة تجمع بين شمسة وأستاذها الجامعي الذي يشرف على البحث الجامعي حول اللؤلؤ، وشيئاً فشيئاً تتوسع شبكة الرواية التي تظهر فيها اللؤلؤة الأصل التي تخصّ جدة شمسة، ثم تتحوّل الرواية إلى آفاق سردية أخرى أو حكائية يتداخل فيها النوخذة «أبو أحمد» الذي يقتل في إحدى رحلات الغوص اثنين من البحّارة «خلفان» و«غانم»، وينجو «مرهون» من القتل، الرجل الذي تحبه «آمنة» التي تتخلى عن زوجها «يوسف».

على ظهر السفينة يدور صراع أيضاً حول لؤلؤة.. ولأقل اللؤلؤة الملعونة: «في هذه اللحظة خرج يوسف من الخيمة، وهو يبحث في كل مكان ومن معه يسألونه«عم تبحث؟» فلا ينطق ويحفر الأرض، على أنه رأى روضة فركض إليها مشتتاً، ظاناً أن معها اللؤلؤة الملعونة. لقد أصبح ملعوناً هو أيضاً باللؤلؤة».

أكثر من قصة تتوازى، وأحياناً، تتقاطع في مسارات هذه الرواية التي تتمحور في الخلاصة حول اللؤلؤ. أو حول لؤلؤة بعينها. لؤلؤة غامضة. لؤلؤة بحر أو لؤلؤة على ظهر سفينة، أو لؤلؤة في عقد كانت تلبسه جدة شمسة «هل اللؤلؤة هي نفسها الضائعة على سفينة أبو حمد؟ وهل العقد الذي اختفى منذ زمن بعيد، وظلوا يبحثون عنه في أماكن عديدة، هو نفسه العقد الذي تقول عنه أمي، إنه يحمل تاريخاً من الغبن يا حبيبتي؟

هو عقد اللؤلؤ. عقد جدتي. أم أنها من خلقت حوله الأساطير، لكي تعطيه قيمة وهي تهديه لابنتها..؟».

علاقة شمسة باللؤلؤ علاقة ثقافية في موازاة أنها علاقة تاريخ وذاكرة. هي مبكراً أو منذ دراستها الجامعية تعثر على كتاب بعنوان: «البحر ورحلات الغوص» تقرأ فيه كيف يتكون اللؤلؤ «من مادة لزجة يفرزها حيوان المحارة مع دخول أية مادة أو ذرة تراب إليها»، غير أن هذه المعرفة المبكرة حول اللؤلؤ.. سوف تتحول إلى مادة تاريخية أو حتى توثيقية حول اللؤلؤ في نهاية الرواية، ويظهر ذلك في الرسالة الرائعة التي ترسلها شمسة إلى أستاذها عز الدين «الجوهر»:.. إنها هنا تتحدث عن التاريخ الثقافي والأسطوري للؤلؤ.. «.. منذ تكونه من قطرات المطر أو الندى إلى تكونه من الدموع..» هل يتكون اللؤلؤ من الدموع؟ الرواية لا تقول ذلك، تقول ما هو أجمل أو أكثر تراجيدية.. لقد وجدت الرواية أن كليوباترا قد أذابت لؤلؤة ثمينة في كأس من النبيذ وشربته أمام أنطونيو «كما يذاب قلب من الحب»، لا بل كانت كليوباترا تطحن اللؤلؤ وتستحم فيه.. «..ورغم صلابته وجمال استدارته فإن بعضاً من الخل يذيبه تماماً، كما يذيب الحب أقوى الأشخاص وأشدهم صلابة..». إن أجمل ما في هذه الباحثة الجامعية في اللؤلؤ.. أنها كما تقول لم تكن تكتب بحثاً، كانت هي تبحث عمّا تكتبه «.. واستشف الحياة التي رشفها اللؤلؤ الكامن في المحار..».

  • تكثيف

إن الرواية كلها تتكثف أو تتلخص في هذه الرسالة العذبة الأخيرة «.. لم يستطع مرهون أو آمنة أو كاترين أو فيكتوريا أو أبو أحمد أو أي من كانوا على السفينة، أن يحكوا هذه القصة، لأنهم أيضاً كانوا في مكان آخر، كل منهم رأى جزءاً منها، لم ير الواقع بأكمله، إلا أنهم رأوا أن آمنة هربت من يوسف، ولم يروا أنها هربت إلى العالم..».

لم تبتلع آمنة وحدها اللؤلؤة لكي لا تزيد في الكلام الصادر من فمها، بل «غانم» أيضاً البحار الذي قتله النوخذة «أبو أحمد»، هو الآخر ابتلع «اللؤلؤة.. وابتسم غير آبه بما يحدث له».

مثلما أن الرواية هي تاريخ للؤلؤ ومدونة لحكاياته وأسمائه وأنواعه وأثمانه هي أيضاً تاريخ لزمن الغوص في الإمارات، لا بل هي تاريخ لبعض الشركات التي استغلت وجود اللؤلؤ في المنطقة، والرواية تاريخ لظاهرة القرصنة الأجنبية في الخليج، ونعرف من الرواية أسماء الإبل، كما أسماء اللؤلؤ، ونعرف ما هو أجمل كما في الزعفران، والسفر وراء العاج في إفريقيا، ومعرفة دروب البحر، ونسمع صوت مدفع عودة الغواصين من البحر.. «البحر الذي هو مدفن البحارة..» كما الأرض أو الجبال مدفن رجال العسل.

رواية طيبة المذاق.. يلوح فيها قوس قزح الشعر، ونعود فيها إلى روح البحر، ونصبح نحن مع القراءة لآلئ، ولكن من لحم وعظم، وليس لؤلؤنا الجسدي من الندى كما يقول غاستون باشلار.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ese2428y

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"