عادي

الإمارات.. وطن التنوع الفني

15:01 مساء
قراءة 4 دقائق
الإمارات.. وطن التنوع الفني
وضحى حمدان الغريبي

الشارقة: الخليج

الفن هو أحد أهم أشكال الحضارة، ويعد سلوكاً إبداعياً للتعبير الإنساني، وكان ولم يزل يمثل نمطاً راقياً من أنماط الوعي الاجتماعي، ومن ضمن المؤلفات التي تبرز الفن الإماراتي المعاصر ومواضيعه كتاب «التنوع الثقافي في مشهد الفن الإماراتي المعاصر» للدكتورة وضحى حمدان الغريبي، الصادر عن دائرة الثقافة بالشارقة، والذي يبرز كيف عملت الإمارات خلال الأعوام الماضية على تفعيل ممارسة التنوع الثقافي بين أفراد المجتمع الذين يتميزون بتعدد ثقافاتهم ودياناتهم وعاداتهم وتقاليدهم؛ حيث استطاعت دولة الإمارات أن تحصد محبة الناس واحترامهم، وحرصهم على العيش فيها.

جاء الكتاب في 320 صفحة من القطع المتوسط، ويقع في أربعة فصول، وفي مقدمته، تقول المؤلفة: «توفر البيئة الإماراتية ظروفاً جيدة لصناعة تعايش وتبادل ثقافي فني مثمر، وهذا واضح بشكل خاص على مستوى الفنون؛ نظراً لاعتماد الفنون على التلقي البصري، فالفنان الذي يعيش في الإمارات لا بد أن تتسع الرؤية البصرية لديه، وتتسرب عناصر من ثقافات أخرى إلى أعماله، فعند مشاهدة لوحة فنية، تستطيع أن تحدد خلفياتها، والبيئة التي جاءت منها، خصوصاً أن لوحة الفنان الإماراتي فيها أثر البيئة الإماراتية ببحرها وأفقها الصحراوي الواسع، وسمائها العريضة، ولوحة الفنان الأجنبي في البلاد غير المشمسة تميل الأعمال فيها إلى الألوان الداكنة والرمادية غير المتوهجة بضوء الشمس، إضافة إلى ميلها إلى الاتجاهات الفنية المختلفة التي ظهرت بأوروبا، وهكذا مع الوقت تنطبع تلك الأشكال والعناصر المختلفة في ذهن الفنان الإماراتي، وتعطي خيارات لا متناهية؛ لتطعم أعماله بعناصر من تلك البيئات المختلفة مع الحفاظ على الإيقاع الخاص للبيئة الأساسية، وقد استفادت الحركة التشكيلية الإماراتية على وجه الخصوص من هذا التنوع، وانخرط الكثير من الفنانين الإماراتيين في الحداثة الفنية، وانطلقوا في تجارب فنية عالمية، ما يؤكد أهمية التنوع الثقافي كمصدر مهم من المصادر المؤثرة في كثير من رؤى وتجارب ونتاجات الفنانين الإماراتيين المعاصرين».

  • * أساليب التعبير

وركزت الباحثة في الفصل الأول على مفاهيم التعددية الثقافية وعناصرها، وأثرها في الفن التشكيلي في العالم.

وفي الفصل الثاني من الكتاب، ركزت الباحثة على مصطلح البيئة الفنية، وقدمت بانوراما عن الفن التشكيلي الإماراتي قديماً وحديثاً، وكذلك التحولات في الفن التشكيلي الإماراتي، وترى المؤلفة أن السمة الرئيسية التي تظهر في أعمال الفنانين الإماراتيين المعاصرين تعمل على تقليل الكثير من الحواجز الزمانية والمكانية والنفسية والاجتماعية، ما يؤدي إلى وجود نوع خاص من الحوار الفني؛ حيث يكون ممزوجاً ببعض التأثيرات الثقافية المتعددة، ويلاحظ ذلك في الأعمال الفنية، فمن النمط التقليدي المنمق السائد في تنفيذ اللوحة انتقل بعض الفنانين الإماراتيين الأوائل إلى انطباعية الألوان، فتحركت الفرشاة؛ لتسجل انطباعاً ديناميكياً مختزلاً للشكل والضوء والملمس.

وفي نهاية هذا الفصل، تطرقت الباحثة إلى التنوع الثقافي والفن المفاهيمي في الإمارات؛ حيث إن الفن «المفاهيمي» هو مصطلح فني يعبر عن نسخ الصورة الحسية التي نراها إلى إحداث صورة ذهنية في الإدراك، ويعد أول من مهد لهذا الفن مارسيل دوشامب، لكن المصطلح استقر في فترة الستينات على فكرة أن العمل الفني ليس منتجاً فيزيقياً بقدر ما هو مجموعة أفكار.

أما الفصل الثالث فقد سلّط الضوء على «التواصل الثقافي والفني مع الدول الأجنبية، وأثره في التنوع في الفن التشكيلي»؛ إذ تمثل الفنون التشكيلية إحدى نقاط التماس بين الحضارات، فهناك تأثير متبادل بين هذه الفنون التي أنتجها الإنسان على مدى تاريخه الطويل، والتي تظل شاهدة على قوة فنون الشرق حتى الآن في أوروبا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، واستعرضت الباحثة أيضاً في هذا الفصل ملامح من سيرة الفن الأوروبي، والفن الإفريقي، والفن الآسيوي، مبينة أن فنون ما بعد الحداثة، شهدت ظهور اتجاهات فنية اختلفت كلياً في المفاهيم الفنية والفلسفية عن اتجاهات فنون الحداثة؛ حيث تم القضاء على الجمالية الموروثة والمرتبطة بفكرة الشكلانية، وجاء مكانها واقع جديد للعمل الفني يستمد جماليته وقيمته من المجتمع، الذي يتميز بالتحول والتغير السريع، وعلى هذا لم يعد العمل الفني كمنتج مبتكر جاذب للمتعة الوجدانية، من هنا ظهرت اتجاهات تعمل على صياغة علاقة جمالية وفنية جديدة؛ بهدف التعبير عن المجتمع بكل متغيراته السياسية والاجتماعية والثقافية، وكان من تلك الاتجاهات الفن المفاهيمي وفن الأداء، وفن التجهيز في الفراغ.

وفي الفصل الرابع والأخير تعرضت الباحثة بالدراسة والتحليل لمختارات من أعمال الفنانين الإماراتيتين الذين تنطبق عليهم المعايير المتعلقة بالتأثر بالتعددية الثقافية؛ ومنهم: أحمد الأنصاري، حسن شريف، عبد الرحمن زينل، عبد الرحيم سالم، عبد القادر الريس، عبد الله السعدي، عبيد سرور، كريمة الشوملي، محمد القصاب، محمد کاظم، محمد مندي، منى الخاجة، نجاة مكي؛ حيث حاولت المؤلفة الإحاطة والتمثيل الشامل للجوانب المختلفة لعدد من أعمال الفنانين في دولة الإمارات على الرغم من صعوبة حصر جميع التجارب الفنية؛ لكثرة عددها وتنوعها.

  • * ثراء

وتلفت المؤلفة إلى أن وجود نحو أكثر من 200 جنسية في الإمارات تنتمي إلى ثقافات متعددة وحضارات مختلفة، يزيد من ثراء وتنوع الدولة التي آلت منذ البداية إلى الانفتاح على الآخر، وزرع ثقافة التعايش والتسامح بين المواطنين والقاطنين على أرضها، وتشير المؤلفة إلى أن وجود هذا الكم من الثقافات، يضفي على المشهد الإماراتي حالة خاصة، وإضافة نوعية، تشجع الفنانين الإماراتيين على الاطلاع على تجارب الآخرين، والتواصل معهم، كما يتيح هذا الحضور اللافت للثقافات المتعددة كذلك فرصة للتحاور والتبادل الثقافي والحضاري بين الشعوب، وإتاحة الفرصة لانتقال التجارب والخبرات، وما يميز الإمارات هو هذا الانفتاح المهم على ثقافة الآخرين، وتشبع أبنائها من خلال السفر والجاليات الموجودة داخل الدولة، ووجود التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت وحدوث التطور الفني الكبير من خلال تلك العوامل المتعددة الثقافات، ولقد عمدت دولة الإمارات منذ قيام الاتحاد إلى إنشاء وتكوين مؤسسات أهلية تُعنى بتنظيم وتفعيل دور الجاليات الموجودة على أرض الإمارات؛ للتعبير عن ثقافاتها، كما أن الجانب الدبلوماسي الإماراتي كان له الدور الكبير في استضافة الفعاليات والأنشطة في مختلف المجالات من الخارج، بما انعكس بشكل إيجابي ومباشر على الفنان الإماراتي المعاصر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/axpbzy4v

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"