عادي

«ديوان أصحاب الهمم».. القصيدة ابنة الحياة

00:17 صباحا
قراءة 4 دقائق
خلف الكعبي

الشارقة: عثمان حسن

«ديوان شاعر أصحاب الهمم» هي مجموعة شعرية من تأليف الإماراتي خلف الكعبي، وصدرت عن دار «المنى للخدمات المطبعية» في الشارقة.. وأول ما يلفت النظر في هذه المجموعة هو ما يمكن أن نطلق عليه «المضمون الوجداني»، وهو مضمون ينساب مع لغة شعرية سلسلة تمتاز ببساطة اللغة، وصدق الإحساس والمشاعر، وهي موجهة في الأغلب لشريحة عمرية شابة من زملاء الشاعر في التعليم الأساسي والثانوي، وتمتد هذه الشبكة لتطال من رافقوا الشاعر في الكادر الوظيفي أو التعلمي.

في هذا الديوان يثبت خلف الكعبي أنه ليس بالضرورة أن تكون شاعراً مفوهاً، وذا لغة جزلة غاية في الرصانة والبلاغة، لتحظى بجماهيرية كبيرة؛ بل لعل السهولة مع صدق الإحساس، هي أساس التجربة التي ينطلق منها الكعبي، ليسطر من خلالها قصائد فصيحة، وأخرى مكتوبة ضمن مناخ الشعر الشعبي، وفي هذين المستويين يميل الكعبي إلى أسلوب شعري ثري، هو في نهاية المطاف مرآة لواقع الحياة اليومية، وهي تجربة لا تخلو من الصور التي تمتاز بالعفوية، لكنها تنم عن معرفة بأصول الشعر، وضرورات تقديم قصيدة ناجحة بالمعيار الفني الذي يؤكد في المقام الأول، المعنى الذي يتوخاه الشاعر، من خلال جملة مفعمة بالحكمة حيناً، وتقديم النصيحة وأخذ العبرة والحض على التعلم في أحيان أخرى.

حلقة

ترتبط قصائد هذا الديون أكثر ما ترتبط بالحلقة المقربة من الشاعر من الأصدقاء والزملاء والمعارف وكما أشرنا سابقاً (من تلاميذ ومدرسين وتربويين) كما نلمس في مستوى آخر من قصائد الديوان تعبيراً من الشاعر عن ارتباطه بوطنه الإمارات وإنجازاته، بدءاً من القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وفي هذه التجربة على وجه الخصوص يتفاعل الشاعر مع إنجازات الدولة وتطورها في الميادين كافة سواء كانت تعليمية أو اقتصادية أو علمية.

وضمن هذه الحلقة الواسعة يمكن دراسة تجربة الشاعر خلف الكعبي الذي يتذكر في أول قصيدة يستهل بها ديوانه الشعري أستاذه في مدرسة ابن الهيثم الإماراتية، وهو وكيل المدرسة السابق عبدالله الحمادي؛ حيث يقول: «أديت ثم كفيت بوحميد / ووفيت بل زدت بالزين. ربي يجازي إحسان بإحسان / وأنت بربك راعي تحسين. قلت المدارس مرتع الطيب / لطلابنا هالطيب بيبين».

في هذا السياق يكتب خلف الكعبي سلسلة من القصائد مثل: (إلى معاذ، لا للتأخير الصباحي، إلى وزارة التربية والتعليم، إلى مديري ومديرات مدارس عجمان ودبي، كلمات في ثوب الشعر عيد الفطر، مدرسة ابن الهيثم، ويوم الأم وهي مهداة للأمهات في وزارة التربية والتعليم ومؤسسة الإمارات للتعليم وغيرها).

ونتوقف عند قصيدة مدرسة ابن الهيثم للتعليم الأساسي، التي تقول كلماتها: «إن المدارس بهجة الطلاب / ما بين أقلام وبين كتاب. بستانهم وحديقة بورودها / جزل بها شعري مع الإسهاب. وعتاد طالبنا نعم كراسة / أنعم بهم من فتية وشباب. ها هم أتوا صوب المدارس همهم / ذاك النجاح كغيمة وسحاب». إلى أن يقول: «درس الكرامة باللغات يجيئهم / يا طالبي يا متقن الإعراب. أما العلوم فإنها كبحيرة / فاصطد بها من لؤلؤ الإيجاب. وارمي شباك الصيد في قيعانها /إياك تجنح يا فتى لغياب».

في هذه القصيدة يقدم الكعبي أسلوباً شعرياً ممهوراً بالخفة والسلاسة، وهو بالتالي لا يعجز عن تكوين صورة سخية بالمعنى الذي يريده حين يستخدم مفردات من أجواء الدراسة، ومن قاموس حصة الدرس؛ حيث اللغات والعلوم والفنون وغيرها.

وها هو لا يبخل على قصيدته بتشكيل صورة شعرية طريفة، حين يشبه العلوم بالبحيرة التي تنطوي على أسرار وكنوز لا حصر لها، وها هو يحرض التلاميذ على بذل الجهد وإعمال العقول؛ حيث تحتاج هذه الكنوز إلى صياد ماهر، يحسن نصب شباكه، ومن ثم الكمون حتى تواتيه تلك اللحظة الفارقة التي يصطاد بها جوهرته، والجوهرة هنا هي نفائس العلوم، وكنوز المعرفة التي لا حصر لها.

ومن القصائد اللافتة في هذا السياق والتي تقدم مضموناً هادفاً قصيدته المعنونة ب«يوم الأم» ويقول فيها: «الأم جامعة الأماني / فاهنأ ببر الأمهات. والأم مفتاح المعاني / هي بلسم في ذي الحياة. أماه هاتيك التهاني / ها قد أتتك في ثبات. رباه يا رب الزمان / بارك لهن في الصفات. بارك لنا نبع الحنان / واجمعه في الخير الشتات. إياك يا قلبي تعاني / فالأم سيدة الهباة. أنا لا أفضلها الأغاني / لكن لأمي جود ذات».

اللغة العربية

في قصيدة أخرى، بعنوان «اللغة العربية تحييكم» يعبر خلف الكعبي عن إعجابه بهذه اللغة التي يصفها بأم الملايين، وهو يحزن قليلاً على حالها؛ حيث أصبحت مغتربة في وجدان الكثيرين، ولكنه حزن طارئ سرعان ما يتلاشى أمام قوة هذه اللغة وتاريخها الضارب في جذور الهوية والدين؛ حيث يقول: «أنا أم الملايين / وكرم في فناجيني. يراني البعض في حزن / لماذا البعض يبكيني. لغات القوم قد حلت / وهذا ليس يقصيني. بها أهلا بها سهلا / لها دين ولي ديني. أنا شجر ولي ثمر / جذوري أسفل الطين».

رمز الاتحاد.. زايدنا

وفي قصيدة مفعمة بالوطنية الخالصة يستذكر من خلالها باني اتحاد دولة الإمارات، يكتب خلف الكعبي قصيدته التي عنوانها (رمز الاتحاد.. زايدنا) ومن خلالها يعبر بصدق وعمق مشاعره عن فقدان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وفي هذه القصيدة يستذكر أمجاد الإمارات واستمرار المسيرة المظفرة للدولة في ظل قادة وبناة الأوطان، وصولاً إلى صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الذي ورث المجد والفخار.

يقول مطلع القصيدة:

أشوف الكل م الحكام زايد..

ولا ظني في قلبي يموت زايد

أنا للآن ما استوعبت انه

رحل عنا أبونا الشيخ زايد

ولولا الله قال الموت حق..

لكذبت الوقايع والشواهد

ولكني مسلم لك يا رب.

عظيم المن رحمن وشاهد.

مستويات القرّاء

لا يتوجه خلف الكعبي في ديوانه الشعري لمثقف نخبوي، وإنما يتوجه لجمهور واسع يسعى لكي يقربه من وجدان القصيدة ومضمونها، وبالتالي فقد استطاع أن يكتب قصيدة قريبة إلى الحياة وإلى الواقع الذي يعيشه من دون كليشيهات، قصيدة بعيدة عن الغموض والالتباس، وذات خطاب شعري صافٍ وسلس، مع لغة مفهومة، وصادقة بما تتضمنه من «مضمون وجداني» وبكل يسر وسهولة.

الناشر دار المنى للخدمات المطبعية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5bfjf6b6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"