عادي

التنمر.. سلوك قبيح يدينه الإسلام

22:34 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة– بسيوني الحلواني:

شاعت في حياتنا المعاصرة رذيلة التنمر، وأصبحت ظاهرة في عدد من المجتمعات العربية، وترتب عليها تداعيات تهدد أمن تلك المجتمعات واستقرارها، وغالباً تؤدي تلك السلوكيات الخاطئة إلى تلاسن وتشاجر بين الناس، وقد وقعت مشاجرة مؤخراً بين عائلتين كبيرتين في صعيد مصر بسبب سخرية شاب من رجل كبير في السن، والتنمر عليه، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 16 آخرين.

الصورة

يؤكد العالم الأزهري د. سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن الإسلام يدين كل صور السخرية، ويرسخ في نفوس الصغار والكبار التعامل الراقي والمتحضر، فلا سخرية من شخص بسبب عيب خلقي، ولا إساءة لشخص بسبب فقر أو إصابة ألمت به، ولا تطاول على إنسان بسبب تواضع أحواله المادية، موضحاً أن القرآن الكريم ربانا على قيم وأخلاقيات راقية في التعامل مع الناس عموماً، وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة، فلا سخرية ولا استهانة من شخص بسبب فقر أو عجز أو ابتلاء من الله، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الحكيم: «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب»، فالقرآن الكريم في العديد من نصوصه يعلمنا كيف نعيش جميعاً إخوة متحابين، تربط بيننا علاقات الود والمحبة، يحترم بعضنا بعضاً، ويساعد بعضنا بعضاً، حيث يقول الحق سبحانه: «إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون».

ويتابع: الأمر هنا لا يقف عند علاقة المسلم بالمسلم، بل إن الاحترام والتقدير والتعاون يكون بين الناس جميعاً، وفقاً لنداء القرآن الخالد في قول الله عز وجل: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، فلا تفضيل لأحد عند الله بشكل أو صحة أو مال أو سلطان، وإنما مجال التفضيل الوحيد بين خلق الله هو «التقوى والصلاح والقدرة على عمل الخير».

وهنا يؤكد د. داود أن القرآن الكريم ينهى نهياً قاطعاً عن السخرية من الآخرين والتنمر عليهم، وهذا النهي واضح في قول الحق سبحانه: «لا يسخر قوم من قوم»، والحكم الرباني على من يخرج عن هذا النهي واضح في قوله عز وجل: «بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون»، فكل من يقترف هذا السلوك فهو (فاسق) وعليه أن يتوب عن ما فعل ليعفو الله عنه.

ويقول: نصيحتنا لأولادنا أن يكفّوا عن هذا السلوك المشين، فالتنمر على الآخرين سلوك لا يليق بإنسان ينتمي إلى دين يرفع من قدر الإنسان عموماً بصرف النظر عن دينه أو جنسه أو غناه أو فقره، أو صحته أو مرضه، كما أن التنمر سلوك يكشف عن مرض نفسي، فالإنسان السويّ لا يتورط مطلقاً في هذا السلوك المشين.

دعم السلوك المتحضر

يصف د. عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، التنمر بالسلوك القبيح، ويؤكد رفض الإسلام وإدانته له، ويقول: التنمر يتنافى مع الآداب والأخلاق الإسلامية، ولذلك يجب مواجهة فاعله مجتمعياً وإعلامياً ودينياً، وكل مؤسسات المجتمع المعنية بضبط السلوك العام مطالبة بمواجهة التنمر، خاصة أن أصحاب الهمم أو ذوي القدرات الخاصة في العديد من مجتمعاتنا يعانون هذا السلوك المدان شرعاً وعرفاً وقانوناً.. ومن هنا فواجب المجتمع بكل أفراده ومؤسساته أن يكفل لهؤلاء الحياة الآمنة بعيداً عن أي إيذاء بدني أو نفسي.

ويؤكد د. النجار ضرورة الاهتمام بالتربية الأسرية والتربية المدرسية التي تنفر من التنمر، وتدعم السلوك الراقي المتحضر للإنسان في تعامله مع الآخرين، ويقول: كل إنسان ملتزم دينياً وأخلاقياً بأن يترجم تعاليم وأخلاق دينه في سلوكه اليومي، وكلما كان الإنسان راقياً متحضراً في تعامله مع خلق الله وخاصة الضعفاء منهم، تجسدت فيه الأخلاق والقيم الإسلامية الرفيعة.

ويطالب د. النجار بتشريعات تتضمن عقوبات مشددة على كل من يتورط في سلوك يدخل في دائرة التنمر، ويؤكد أن هذه التشريعات التي تعاقب المنفلتين سلوكياً الذين يستهينون بالآخرين ويستغلون ضعفهم عقوبات مطلوبة لردع هؤلاء الذين لا تفيد معهم موعظة ولا يوجد بداخلهم وازع من ضمير أو أخلاق.. كما يناشد جميع فئات المجتمع بالتصدي لهذه الظاهرة ومواجهتها واستنكار سلوك هؤلاء الذين تجردوا من المشاعر الإنسانية بالإساءة إلى الآخرين والتحرش بهم والسخرية منهم.

الأزهر يدين

أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إدانة الشرع لكل سلوك يحتوي على تنمر، وأوضح أن احترام إنسانية البشر أمر واجب، والتنمر سلوك مرفوض ومحرم شرعاً، وقال: دعا الإسلام إلى تحسين الأخلاق وتطييب الكلام للناس؛ فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ».

ويضيف المركز في فتوى رسمية له: كما حرّم الإسلام الإيذاء والاعتداء ولو بكلمة أو نظرة، فقال تعالى: «وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»، وقَالَ سيِّدنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، والضرر الذي وجّه الإسلام بإزالته ليس الجسدي فقط، وإنما وجّه كذلك بإزالة الضرر النفسيّ الذي قد يكون أقسى وأبعد أثراً من الجسدي.

«الإفتاء» تحذر

رصدت الإفتاء المصرية تنامي مشكلة التنمر واستهانة بعض الشباب بحقوق أصحاب الهمم، وأصدرت الكثير من الفتاوى تحذر فيها من هذا السلوك الذي يجلب لصاحبه غضب الله وعقابه، مؤكدة أن التنمر سلوك عدواني يهدف إلى الإضرار بشخص آخر عمداً؛ سواء كان العدوان جسدياً أو نفسياً» وهو بهذا الوصف عمل محرم شرعاً، ويدل على «خِسة صاحبه وقلة مروءته»؛ وذلك لأن الشريعة الإسلامية حرّمت الإيذاء بكل صوره وأشكاله.

وأكدت الإفتاء أن التنمر يشتمل على جملة من الإيذاءات النفسية أو الجسدية الحاصلة من المتنمر، والتي يحصل بسببها ضرر، وقد جاءت الشريعة لحماية الإنسان من كل ما يمكن أن يصيبه بالضرر، ففي الحديث الشريف يقول رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mtt2kp4s

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"