القاهرة: بسيوني الحلواني
يتسابق كثير من الناس في هذه الأيام الطيبة المباركة إلى توبة صادقة تخلصهم من ذنوبهم، ويلجأ البعض إلى إعلانها باللسان من دون أن يصاحبها فعل حقيقي لتحقيق ذلك.
يؤكد د.عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، والمشرف العام على لجان الفتوى بالأزهر، أن التوبة مطلب شرعي، ومن المهم أن يبادر بها المسلم، بعد كل ذنب يرتكبه، حتى يخلّص نفسه من الآثام والذنوب، أولاً بأول، ومن الخطأ أن يترك الذنوب تتراكم عليه؛ اعتقاداً بأنه سيتوب منها قبل انتهاء أجله، فلا يدري الإنسان إلى متى يعيش، والله عز وجل يطالب عباده بالمبادرة بالتوبة فيقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
والتوبة- كما يوضح د.شومان- تعني أن يرجع الإنسان المذنب، أو العاصي إلى خالقه، يلتمس منه العفو والمغفرة والرحمة، بعد أن ارتكب الذنوب والمعاصي، فالتوبة تكون من ذنب، ولذلك كان من أول شروطها أن يعترف الإنسان بذنبه، ولا يكابر، ويتمادى في الذنوب والمعاصي، ولذلك كانت التوبة «حركة تصحيحية» في حياة الإنسان الذي يريد أن يعيش حياة مستقرة، لا إثم فيها، ولا انحراف، ولا ظلم، ولا أكل لأموال الناس بالباطل.
وعن متطلبات التوبة النصوح، يقول د.شومان: «للتوبة الصادقة ثلاثة شروط أولها: الإقلاع عن الذنب، وثانيها: الندم على ما ارتكب الإنسان من ذنوب ومعاصٍ، والشرط الثالث: العزم الأكيد على عدم العودة إلى الذنب مرة أخرى. وهذه الشروط إذا كان الذنب يتعلق بحق من حقوق الله، أما إذا كان أمر الذنب، أو المعصية يتعلق بحق من حقوق العباد كنهب أموالهم، أو أخذها منهم عن طريق التزوير والخداع، أو نهب مال عام فتتوقف التوبة على ردّ المسروق إلى صاحبه، أو المسامحة فيه».
ويؤكد د.صبري عبدالرؤوف، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر أن «الله سبحانه وتعالى يفتح لعباده باب رحمته فتحاً واسعاً كريماً، ويحضهّم على الإسراع بالتوبة والإنابة إليه، حتى يزيدهم من فضله وإحسانه، فيقول: «وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ» أي: لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعاً، وارجعوا إليه بالتوبة والإنابة، وأخلصوا له العبادة، من قبل أن ينزل بكم العذاب الذي لا تستطيعون دفعه، ثم لا تجدون من ينجيكم منه».
ويقول: «إذا كان الله قد فتح للعصاة باب رحمته على مصراعيه، فلا ينبغي للإنسان أن يركن إلى ذلك، ويستمر على معصيته ويطمئن أنه في النهاية يتوب ويقبل الله توبته، بل عليه أن يسارع بالتوبة، فهو لا يضمن عمره، كما قال تعالى: «إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا»، وبعد التخلص من الذنوب والمعاصي بالتوبة الصادقة، بشروطها ومواصفاتها، فالمطلوب من المسلم أن يتبع أوامر الله ونواهيه، حيث قال سبحانه: «وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ»، أي: واتبعوا هذا القرآن الكريم، الذي هو أحسن ما أنزله سبحانه إليكم، بسبب ما اشتمل عليه من هدايات سامية، ومن تشريعات حكيمة، ومن آداب قويمة، فإن اتباع ما اشتمل عليه هذا القرآن من توجيهات، يؤدي إلى السعادة في الدنيا والآخرة».
ويوضح د.محمد رجب، الرئيس السابق لإدارة الفتوى بوزارة الأوقاف المصرية، أن من المهم تشجيع كل مسلم اكتسب مالاً من حرام على التخلص منه بكل الوسائل، حتى لا يدمن ذلك، فالنصيحة بالتوبة من الحرام والبعد عنه واجبة لكل شخص يمتلكه، وينفق منه، حتى لا تتمدد ثروته، وتتضاعف، فرسول الله صلّى عليه وسلّم يوجهنا إلى أن الله إذا غضب على عبد رزقه من حرام، فإذا اشتد غضبه عليه بارك له فيه، وهو صلّى الله عليه وسلّم القائل: «من اكتسب مالاً من حرام فإن تصدق به لم يقبل منه، وإن تركه وراءه كان زاده إلى النار». ومن هنا لا ينبغي ترك المسلم يجمع المال الحرام من دون أن نوضح له خطورة ذلك عليه في الدنيا وعقاب ذلك في الآخرة.
ويضيف: «طريق التخلص من المال الحرام في شريعتنا الإسلامية واضح، فمن تاب وفى يده مال حرام معلوم العين عليه أن يعيده إلى صاحبه إن كان معروفاً، فإن كان صاحب المال المغصوب قد مات، فعليه أن يعيده إلى ورثته إن كانوا معروفين حاضرين. فإن كانوا غائبين انتظرهم وأرسل إليهم وأعاد إليهم حقوق مورثهم، أما إن كان المال الحرام غير متميز بل مخالط لبقية ماله، كمن له تجارة ويغش فيها مثلاً، فعليه أن يجتهد لمعرفة قدر الحرام فيها، فإذا استطاع تحديد الحرام بنصف أو ربع مثلاً، فعليه فصله وعزله، تمهيداً للتخلص منه، وإن لم يستطع تحديد النسبة، فعليه أن يأخذ بغلبة الظن».
وعن كيفية التخلص من المال الحرام، يقول د.محمد رجب: «أشار الفقهاء إلى أن إذا كان للمال مالك، فيجب تسليمه إليه، أو إلى ورثته إن كان مات، وإن كان غائباً ينتظر حضوره، ويضيف إلى المال ما يتولد عنه، حتى وقت حضور مالكه، وإن كان المالك غير معين، ويئس من معرفته، ولم يدر إن كان له ورثة أم لا، فهنا لا نستطيع الرد إلى المالك، كمن استولى على أموال الخزانة العامة، فهي حق لجميع المواطنين، والحل أن يتصدق بهذا المال، أو ينفقه في مصالح المسلمين».