عادي
متعافون يروون قصصهم.. من التعاطي إلى العلاج

المخدرات ..رحلة فضول نهايتها نفق مظلم

01:23 صباحا
قراءة 12 دقيقة
مبادرة لشرطة أبوظبي تعزّز وعي الطلبة

تحقيق: عماد الدين خليل

قضية إدمان المخدرات آفة خطِرة تهلك الشباب وتعد من أكبر المشاكل والتحديات التي تؤثر في المجتمع، ومن أخطر القضايا التي تهدد أسرنا وتنذر بانهيارها. ومهما تنوعت أشكال المخدرات وأنواعها، فهي من أخطر الآفات التي تعصف بمجتمعاتنا لما لها من آثار سلبية جسيمة من جميع النواحي، على الفرد والأسرة والمجتمع، ما يتطلب حماية أسرنا وشبابنا ونتصدى لهذه الآفة بكل الوسائل والطرق.

وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الجهات المختصة في دولة الإمارات، لمكافحة جلب المخدرات وتهريبها، فإن قضية المخدرات مسؤولية الجميع، وتتطلب اليقظة التامة حتى لا ينضم كل يوم ضحايا جدد من شبابنا إلى عالم الإدمان الذي لا يرحم، بسبب المغريات الكثيرة في هذا العصر، وأصدقاء السوء الذين يغرون الشباب بدخول النفق المظلم، تحت إغراء التجربة وتحقيق السعادة في متخيلات عقول المدمنين فقط.

وتحرص الجهات المختصة في الدولة، على توعية الشباب والأبناء والطلاب بخطورة إدمان المخدرات والمؤثرات العقلية. كما سنت الكثير من التشريعات والقوانين لحماية المجتمع، فضلاً عن إنشائها الكثير من المراكز المتخصصة لعلاج الإدمان، التي نجحت خلال سنوات عدة في الوصول بعدد كبير من المدمنين إلى مرحلة التعافي التام، ودمجهم في المجتمع مرة أخرى.

أعلن صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أخيراً خلال ترؤسه اجتماعاً لمجلس الوزراء تشكيل «مجلس مكافحة المخدرات» برئاسة الفريق سموّ الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، لتعزيز مكافحة جلب المخدرات وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال، وتعزيز دور الوزارات الاتحادية والهيئات المحلية للمساهمة مع المؤسسات الأمنية في مكافحة هذه الآفة، وتوفير سبل الكشف المبكر وتعزيز آليات العلاج الطبي والنفسي والتأهيلي للمتعافين، وإدماجهم في المجتمع.

«الخليج»، التقت عدداً من المسؤولين والمتخصصين والمتعافين من الإدمان للوقوف على تلك الآفة الخطِرة وأبعادها، والجهود التي بذلتها الدولة لحماية المجتمع، والاطلاع على رحلة المدمنين من مرحلة التعاطي إلى مرحلة العلاج التام، وما كان يجول في أذهانهم عند تناول المخدرات.

جرائم المخدرات

في البداية، ووفقاً لآخر إحصاءات التقرير السنوي لجرائم المخدرات لعام 2021 الذي تصدره الإدارة العامة لمكافحة المخدرات الاتحادية، بوزارة الداخلية، بلغ عدد المتهمين الذين ضبطوا في جرائم مخدرات 15 ألفاً و401 بلاغ خلال عامي 2021 و2020، شملت 8428 خلال عام 2021 و6973 عام 2020، بنسبة ارتفاع 20.8% مقارنة بعام 2020.

وتلقت أجهزة المكافحة في الدولة 10 آلاف و487 بلاغاً عن المخدرات، توزعت بين 5677 خلال عام 2021 و4810 عام 2020، بنسبة ارتفاع 18%.

واستطاعت الوزارة دولياً ضرب شبكات تهريب وترويج المخدرات في عقر دارها بالتعاون الإقليمي والدولي المتميز مع الأجهزة النظيرة فيها، حيث تولي الوزارة أهمية كبيرة لعمليات التسليم المراقبة، نظراً لما تحققه من نجاح في التوصل إلى الأطراف المتورطة في قضايا تهريب المخدرات والاتجار بها، في ضوء تعزيز التنسيق الدولي والفاعل في سبيل تعزيز أمن المجتمعات.

وتسير جهود دولة الإمارات، في مكافحة المخدرات، وفق الاستراتيجية الوطنية في هذا الصدد، ونأخذ في الحسبان، هذه القضية التي تشكل خطراً جسيماً على المجتمعات، وتهدد دول العالم أجمع. وقد عملت الدولة باستمرار، على تحديث القوانين والتشريعات الخاصة بمكافحة المخدرات، وأمنياً عملت الجهات الشرطية والأمنية على قدم وساق، عبر استراتيجيتها الأمنية الشاملة لترسيخ حالة الأمن والاستقرار في الدولة، بمواكبة المستجدات العصرية واستخدام أفضل التقنيات لتحقيق أفضل معدلات الأمن، وبفضل ذلك تمكنت أجهزة مكافحة المخدرات في الدولة، من ضرب مخططات تجار المخدرات، وإحباط عمليات الترويج خلال الأعوام الماضية.

1
فرصة أمل

فرصة أمل:

ودعت شرطة أبوظبي، مرضى التعاطي والإدمان من المواطنين والمقيمين إلى الاستفادة من مبادرة «فرصة أمل» التي وفرتها الجهات المعنية، ووفق قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في التقدم للعلاج والتعافي والشفاء، في إطار الحملة التي تنفذها حالياً بالتعاون مع الشركاء الاستراتيجيين.

1
طاهر الظاهري

وتلقت مديرية مكافحة المخدرات 1071 طلب علاج من المرضى، منذ عام 2020 بطريقة تضمن لهم السرية التامة، شملت 271 طلباً خلال عام 2020 و469 عام 2021 و331 عام 2022.

وأكد العميد طاهر غريب الظاهري، مدير مديرية مكافحة المخدرات، اهتمام شرطة أبوظبي، بتوعية المجتمع بوجود فرصة أمل للعلاج وإزالة التخوف والتردد من مرضى التعاطي والإدمان، ما يشجعهم على التقدم للعلاج والشفاء، ومساعدة أي فرد من أفراد الأسرة. موضحاً أن الأبواب لم تغلق والفرصة متاحة وبالقانون الذي أتاح المجال للمتعاطي أو المدمن لاتخاذ القرار الصحيح دون تردد أو خوف.

وأشار إلى حرص شرطة أبوظبي والشركاء الاستراتيجيين على توفير عنصر السرية والأمان والخصوصية للمتعاطي المتقدم للعلاج، ولا تقام عليه الدعوى الجزائية. كما يحث المتقدمين للعلاج على أهمية مراجعة أنفسهم، من حيث توفر النية الصادقة والعزيمة القوية بعدم الرجوع للمخدرات، والالتزام بخطة العلاج حتى عودتهم معافين ودمجهم من جديد في المجتمع.

1
جاسم الخزرجي

وقال العقيد الدكتور جاسم الخزرجي، من مديرية مكافحة المخدرات، إن المادة رقم 89 من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية لعام 2021 نصت على أنه «لا تقام الدعوى الجزائية على متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، إذا تقدم من تلقاء نفسه أو زوجه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية، أو ممن يتولى تربيته إلى الوحدة أو النيابة العامة أو الشرطة، قبل ضبطه أو قبل صدور أمر بالقبض عليه، طالبين إيداعه للعلاج لدى الوحدة، فيودع لديها إلى أن تقرر إخراجه».

وأكد دور الآباء والأمهات في تقديم النصح والإرشاد للابتعاد عن آفة المخدرات وحمايتهم من العوامل التي قد تجرهم إلى هاوية التعاطي والإدمان، الذي قد يقود في كثير من الأحيان إلى الوفاة. لافتاً إلى أن فرصة التقدم بطلب العلاج موجودة بالدخول عبر الموقع الإلكتروني أو التطبيق الذكي لشرطة أبوظبي للاطلاع على أهدافها وكيفية التقدم لطلب العلاج. www.adpolice.gov.ae أو‏ https://forsa.adpolice.gov.ae/

علاج المدمنين

أنشئ المركز الوطني للتأهيل في عام 2002 بناء على التوجيهات الحكيمة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، وعمل منذ إنشائه وحتى الآن، ليكون شعلة أمل لمرضى الإدمان من المواطنين وغير المواطنين، وحرص على تقديم خدمات العلاج وإعادة التأهيل وتعزيز الوعي بشأن مرض الإدمان.

ويستخدم المركز، أحدث الوسائل العلاجية والوقائية بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الإقليمية والدولية العاملة في المجال من أجل استحداث أنظمة جدية لعلاج ووقاية المدمنين، ومتابعة تأهيلهم بعد الشفاء، لإعادة إدماجهم في المجتمع وتأمين الرعاية المناسبة لهم.

1
د. سامية المعمري

وقالت الدكتورة سامية المعمري، مديرة قطاع الخدمات الطبية بالإنابة في المركز الوطني للتأهيل، إن المركز يقدم خدمات الوقاية والعلاج والتأهيل مع مراعاة السرية والخصوصية والقيم المجتمعية، والتعاون مع الشركاء لإيجاد بيئة آمنة للتقدم بكل سهولة للعلاج. مؤكدة الاستعداد لتلقي طلبات العلاج، وتوفير خط ساخن لعلاج المرضى بعد التقدم بالطلبات المدعومة بالبحث العلمي ومتابعة المرضى والعمل على إعادة تأهيلهم حتى التعافي ودمجهم من جديد في المجتمع.

وأشارت إلى أن هناك عوامل عدة تدفع بعض الأفراد إلى طريق الإدمان، منها عدم الاستقرار الأسري، وعوامل متعلقة بالشخصية، مثل حب التجربة والمغامرة لدى بعض المراهقين، وكذا البيئة المحيطة مثل تأثير رفقاء السوء.

وأضافت أنه بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية، فإن مرض الإدمان حالة تسمم متقطع أو مزمن، تحدث نتيجة استهلاك أو تناول متكرر لمخدر، سواء كان طبيعياً أو صناعياً. ويصنف الإدمان بأنه مرض مزمن يصيب الدماغ له تأثيرات ومضاعفات على سلوك الشخص النفسي والاجتماعي وتنتج عنه رغبة قهرية للاستمرار في التعاطي، مع الميل لزيادة الجرعة، وينتج عنها اعتماد نفسي وجسمي وتكون لها تأثيرات ضارة في الفرد أو المجتمع.

وتؤكد أهمية دور الرقابة الأسرية لحماية الشباب من آفة الإدمان، لأن الضغوط الأسرية، والتفكك وما يصاحبه من عنف وعدم استقرار، عوامل قد تؤدي بالشاب إلى اللجوء إلى المواد المخدرة، وهناك مشاكل تربوية ضمن التفاعل الأسري، وعوامل نفسية مثل الشعور بالفشل وعدم القدرة أو الكفاءة على التأقلم مع الواقع الموجود فيلجأ إلى المخدرات للهروب من المشاكل.

وأشارت إلى أن هناك دراسة أعدها المركز أخيراً، نشرت في دورية علمية عن تأثير مشاركة الأسرة في العلاج، وبينت نتائجها أن معدلات استكمال المريض للبرنامج العلاجي، بوجود الأسرة، يكون 3 أضعاف أكثر من عدم مشاركتها، ونفّذت الدراسة على مجموعة من المرضى الذين خضعوا للعلاج في العيادات الخارجية.

وأوضحت أن المركز يطبق برامج علاجية للمدمنين، اعتمدت أسساً علمية تبدأ باستقبال المريض وتقييم حالته الصحية من فريق متخصص، في العيادة الخارجية، ووفق نتائج هذا التقييم، تحدد خطة العلاج ويحوّل إلى الأقسام الداخلية، لمتابعة برنامج العلاج بسرية تامة.

1
د. محمد الجنيبي

علامات الإدمان

قال الدكتور محمد الجنيبي، استشاري الطب النفسي في المركز الوطني للتأهيل، إنه يصعب أحياناً التفريق بين التغيرات السلوكية المصاحبة لسن المراهقة، وعلامات الإدمان على المؤثرات العقلية عند المراهقين، ما يوجب علينا أن ندرك أن الأعراض الخاصة بتعاطي المواد المخدرة وإدمانها، تعتمد على نوع المواد المستخدمة. موضحاً أنه يمكن تقسيم الأعراض الخاصة بتعاطي المواد المخدرة والإدمان إلى نوعين «الأعراض الجسدية والأعراض السلوكية أو النفسية».

ويحدد 4 من أعراض جسدية تظهر عند التعاطي وهي: اختلاف طريقة الكلام عند المراهق، أي يتحدث المتعاطي بسرعة أو بطء، أوبكلام غير المفهوم. وكثرة التعرّق، وفقدان الوزن، وعدم القدرة على التوازن بشكل سليم، وشحوب في الوجهة واصفراره، وكثرة الندب والجروح في مناطق مختلفة، واحمرار العينين وتوسع أو تدقيق في حدقة العينين، وسيلان الأنف والإحساس بالحكة في مناطق مختلفة من الجسم.

ويحدد 6 أعراض سلوكية ونفسية مصاحبة لاستخدام المواد المخدرة، وهي: «السرية التامة وإخفاء الحقائق وكثرة التبرير واختلاق الأعذار، وفقدان التركيز وصعوبة متابعة الحديث مع الآخرين، والانفعال الشديد وسرعة الغضب، وتراجع في المستوى الوظيفي العام، والسهر ليلاً وقضاء ساعات طوال خارج المنزل، وزيادة الإنفاق في الأموال والإلحاح في طلب الأموال والمزيد منها، واختفاء بعض الأدوية الموصوفة للأشخاص الآخرين في المنزل، وعدم الاهتمام بالمظهر والنظافة الشخصية».

وأضاف أنه بعد التعرف إلى تلك الأعراض التي تدل على التعاطي، يأتي دور أفراد الأسرة والمجتمع في تعلم كيفية التعامل مع الشخص التي تظهر عليه الأعراض، حيث ينصح دائماً باحتواء المريض والتقرب منه وبثّ روح الأمان والثقة وعدم تركه، ويفضل عدم الانفعال أو التحقيق معه، لأن السلوك الإدماني سيسيطر على إخفاء الحقائق وإنكار تعاطيه للمواد المخدرة. لافتاً إلى أهمية تفهّم الأعراض التي تظهر على الشخص، هل هي بسبب مشكلة صحية أم هناك أدلة أخرى لتعاطي المواد المخدرة، مثل الإبر وورق لف السجائر أو شريط الأدوية أو أوراق الألمنيوم المحروقة.

وينصح أنه يفضل التوضيح للمتعاطي بأهمية العلاج المبكر من الإدمان، لمضاعفة فرص الشفاء منه، ومحاولة إقناعه بأهمية طلب العلاج في المراكز المتخصصة لعلاج الإدمان، وحثه على طلب العلاج لتجنب المساءلة القانونية.

1

رحلة الإدمان

تبدأ دائماً رحلة الإدمان بدافع الفضول وحب التجربة، بجانب تصوير رفاق السوء للشخص بأن المخدرات مصدر للسعادة، وما إن يقع الشخص في براثنها، حتى يكتشف الكذبة الكبرى، وتتدهور علاقاته بكل المحيطين به، ويحول حياتهم إلى جحيم؛ إذ يكون كل هدفه التعاطي والإحساس لحظات بنشوة المخدرات، هذا ما حدث بالفعل ل «أ.ح»، الذي لم يفق من كبوته، إلا عندما حكم عليه بالسجن، ليقرر موافقة الأهل باللجوء إلى المركز الوطني للتأهيل، الذي دخله بداية إرضاء لزوجته، ظناً منه أنها مرحلة يعود بعدها ليواصل التعاطي، لكن ما إن دخل المركز حتى اختلفت النظرة تماماً، وشيئاً فشيئاً بدأ يستجيب للعلاج، ليمر بكل مراحله، حتى النفسية منها، ليعود إلى حياته وأهله وأبنائه، الذين وعدهم بتعويضهم عن كل لحظة قصر فيها بحقهم.

وقال «أ.ح» عن بداياته: كانت بداية تعاطي للمواد المخدرة في سن 22، من باب التجربة والتسلية والفضول، حيث كنت أسمع أن المخدّرات تمنح شعوراً غريباً، وتشعر الشخص بالسعادة. كما أن إصرار أصدقائي على أن أجرب شجعني أكثر، فقلت في نفسي «خلّيني أجرب»، ولم أفكر في العواقب التي ستواجهني، أو ماذا سيحصل إذا دخلت في هذا العالم.

وأضاف: كان لي أصدقاء دخلوا عالم الإدمان، ولم أكن أعرف شيئاً عن المخدرات غير أنها ستجعلني سعيداً لم أكن أحسب أن الدخول في هذا العالم كارثة ودمار، فقد كان هدفي الوحيد التجربة والتسلية وتعرضت للكثير من الضغوط النفسية بسبب الإدمان، فأنا متزوج ولدي أبناء، حيث حصلت لي اضطرابات نفسية عدة، فأصبحت عصبياً وعدوانياً ولا أستطيع السيطرة على تصرفاتي، أو التحكم في سلوكي مع زوجتي وأبنائي الذين كانوا يخافونني ولم أكن أفكر في أي شيء يخص حياتي وعملي وأهلي وأسرتي بأي فائدة.

وتابع: شعرت بذنب كبير تجاه نفسي وأسرتي وقصرت في حق نفسي وحقهم كثيراً وحاولت البحث عن علاج مرات عدة، لكن محاولاتي باءت بالفشل، فقد ذهبت أكثر من مرة إلى مراكز للعلاج، لكني لم أستمر، حيث كنت أذهب بعد مشاجرات بيني وبين زوجتي كي أرضيها، ثم أنقطع عن الذهاب. وحكم علي بالسجن في قضية، عندها كانت لي وقفة مع نفسي، فتوضأت وصليت ونويت التعافي والعلاج وبدء حياة جديدة بعيدة عن الإدمان، ولجأت إلى المركز الوطني للتأهيل، بعد مبادرة من الأهل وتشجيعهم لي على العلاج في المركز. وبصراحة وافقت في البداية دون اقتناع كامل؛ بل قلت في نفسي سأذهب وأرضي أسرتي وهناك بالمركز سيعطونني دواء وسأقضي مدة قليلة وسأخرج وأعود إلى التعاطي، لكن بعد دخولي للمركز اختلف تفكيري كلياً.

واختتم: أكملت سنتين و6 أشهر في التعافي، إنني فخور جداً بنفسي، وأشعر بسعادة عارمة، واليوم الناس أصبحت تسأل عني ويتصلون للاطمئنان علي ويستشيرونني في مواضيع مختلفة تشجعني وتدعمني.

الدائرة المظلمة

وقال «ي.أ» أحد المتعافين، إن رحلته مع الإدمان بدأت بوفاة ابن عمه، حيث كان عمره 17 عاماً، ويريد أن ينسى فقدان قريبه حيث بدأ أصدقاء السوء الذين جرفوه في هاوية الإدمان على المخدرات والكحول في إعطائه المواد المخدرة من أجل النسيان، حيث استمر في تناولها للوصول لعدم القدرة على إيقافها، لتسمر تلك الدائرة المظلمة ما يقارب 14 عاماً حتى الوصول إلى مرحلة التعافي التام حالياً.

وأضاف: «في بداية مرحلة التعاطي تركت بيت أهلي وذهبت إلى بيت أحد أقاربي «كبير في العمر» في إمارة أخرى، وابتعدت عن أهلي، كي لا يشعروا بالتغيرات التي تحدث نتيجة تناولي المواد المخدرة، وفي أحد الأيام أغمي عليّ في أحد الأماكن نتيجة تناولي المخدر، وجاء أهلي للمستشفى وعرفوا بإدماني، ما سبب بفقد الثقة بيننا، ومراقبتي بشكل كبير، ما اضطرني لترك المنزل لمدة تصل إلى 4 أو 5 أشهر بحجج العمل أو أي أعذار أخرى».

وتوجه برسالة للشباب بالابتعاد عن رفقاء السوء، واختيار من هم في دائرة الأصدقاء بعناية، وعدم الاقتراب ولو لمرة من أي مواد مخدرة، والاهتمام بممارسة أي نشاط رياضي، والذهاب لأخصائي نفسي، في حال التعرض لأي أمور تحدث تتسبب بمشاكل نفسية.

دروب العود

«خ.م» جرفته بعض المشكلات العائلية والعاطفية إلى الإدمان، الذي لم يكن مؤثراً عليه فقط؛ بل على كل المحيطين به من الأهل والأصدقاء، فلم ينس يوم أن حاول صدم أخيه بالسيارة، تحت تأثير المخدر، وعندما أرادت والدته منعه عن ذلك أصابها عن طريق الخطأ. كما لم ينس أنه كان السبب في وفاة أحد أصدقائه عندما أعطاه المخدرات وأخذ منها جرعة كبيرة أفقدته حياته، لكن، وعلى الرغم من هذه المآسي كلها، يظل داخل الإنسان بصيص أمل في آخر النفق المظلم، يولد الشرارة التي تشعل مصباح حياته لينير دروب العودة لنفسه ولأسرته ومجتمعه.

وقال بدأت التعاطي في السادسة عشرة من عمري، بدافع التجربة وكانت لدي مشكلات أسرية مع أخي الكبير وإخواني، فأبي متوفى وأنا الأصغر، وقريب جداً لأمي وكنت مدللاً عندها، لذلك أصبح إخواني بعيدين عني ولا يهتمون بشأني ولا يجلسون معي. وعندما كنت أتأخر عن المنزل أو أتصرف تصرفاً خطأ يوبخني إخواني، وتدافع أمي عني، لذا ابتعدوا عني، وأصبحت أنا بطريق وهم بطريق، فلجأت إلى أشخاص خارج محيط المنزل، أجلس وأسهر معهم وأقضي معظم وقتي معهم.

وأضاف: كنت أشعر بالسعادة والراحة، لا أفكر بأحد ولا يهمني شيء، وأنسى كل ما كان يضايقني ويجعلني الإدمان شخصاً قوياً، لكن بالطبع ينتهي هذا الشعور بانتهاء مفعول المخدر، فبدايته تكون جميلة وبعد مدة قليلة جداً يصبح نقمة وكابوساً، يسيطر عليك ولا تستطيع التخلص منه، وغالباً ما كنت أنام يومين وأبقى مستيقظاً يومين متتاليين. وفور ما استيقظ أتناول وجبة وبعدها مباشرة أحضر المادة المخدرة، وإذا لم تكن متوفرة أذهب وأحصل عليها، وبعد التعاطي كنت إما أن أجلس أو أخرج مع أصدقاء التعاطي إلى أي مكان، نخلق مشكلة أو مشاجرة مع أي أحد، نسرق، نذهب لنوادٍ ليلية، نشرب الكحول، نمارس سلوكات غير سوية.

ويتابع: آخر موقف كان الفاجعة لي، عندما كنت ألاحق أخي بالسيارة، وأنا تحت تأثير المخدر وأردت أن أصدمه، والسبب كان تافهاً جداً، عندها ركضت أمي ورائي تفتح باب السيارة لتمنعني عن هذا التصرف، فصدمتها بطريق الخطأ، عند هذه اللحظات اسودّت الدنيا في وجهي، لأني اكتشفت أنني وصلت إلى مرحلة من الممكن أن أقتل أخي وأمي بسبب تأثير المخدر، وحصلت لي مشكلات كثيرة بعد موقف صدم أمي وتعبت كثيراً، وتدهورت حالتي جداً، حتى أنني كنت أنام في الشارع، وأقف وسط الطريق وأنام بالسيارة وأعرقل السير، فتحدثت مع أخي الكبير، الذي كانت علاقتي به مقطوعة منذ خمس سنوات، وأخبرته بأنني أريد العلاج وأنه يوجد في أبوظبي المركز الوطني للتأهيل، فاجتمعت الأسرة معي، وتحدثنا عن البدء في العلاج وحل مشكلتي والحمد لله.

وتابع: الجميل في الأمر أن رحلة علاجي كانت في سرية تامة، حيث يحرص المركز على الحفاظ على خصوصياتي، وهذا من أهم مبادئ المركز، فأي شيء يخصّني يبقى سراً لا يمكن لأحد أن يعرفه إلا برضاي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/37vbzuxt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"