النيجر.. بين إرادة الشعب ومصالح الغرب

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

شهدت النيجر في الأيام القليلة الماضية تطورات دراماتيكية متسارعة بتداعيات سلبية أمنياً وسياسياً منذ إعلان الجنرال شياني قائد الحرس الرئاسي عزل الرئيس المنتخب محمد بازوم، وبعد سويعات قليلة أيدت قطاعات الجيش النيجري الأخرى تلك الحركة، ثم تلا ذلك خروج تظاهرات شعبية حاشدة معلنة تأييدها للانقلاب العسكري، ومعبرة عن رفضها للوجود الفرنسي وهاتفة بالمجد للعلم الروسي نكاية في الغرب.

إلا أن ما حدث في النيجر يجدد تساؤلاً لا ينتهي عن قضية الدولة الوطنية وأزمتها ومستقبلها في إفريقيا، خاصة في الدول التي ما زالت تعاني هشاشة أوضاعها السياسية والأمنية، بسبب الفقر والجهل وانعدام قدرة الحكومات على بسط نفوذها على كامل أراضي الدولة وزيادة نشاط الجماعات الإرهابية، كما هو الحال في منطقة الساحل والتي تعتبر النيجر من أبرز دولها، التي تعاني تلك الأزمة رغم ما تمتلكه من المساحة والتأثير والثروة.

وبهذا الانقلاب تكون النيجر ليست الأولى في الغرب الإفريقي؛ إذ سبقتها مالي وبوركينا فاسو وغينيا في مضمار الانقلابات العسكرية خلال عامين فقط، وهو ما يؤكد عدة أمور لعل أهمها عدم انخراط القوى الدولية الفاعلة في تلك المنطقة، بحجة مكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار في علاج القضايا الأمنية، بقدر انخراطها في تحقيق مآربها بالاستيلاء على ثروات دول المنطقة وحماية مصالحها المتعددة هناك، وهو ما رفضته شعوب تلك المنطقة وعبرت عنه بالتظاهرات التي أيدت تلك الانقلابات وحتى العسكريين الذين تم تدريبهم في الغرب، هم من قاموا بتلك الحركات الانقلابية على أنظمة، كان شغلها الشاغل رعاية مصالح فرنسا ومن بعدها الولايات المتحدة الأمريكية.

اجتمعت عدة دوافع محفزة للانقلاب، منها ما أعلنه قائده في بيانه وهو تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وقد أرجعه البعض إلى محاولة بازوم إعادة هيكلة الحراسة الرئاسية، والتخلص من الجنرال شياني الذي يرتبط بعلاقات وثيقة بالرئيس السابق محمد يوسفو، والبعض الآخر يرجعه إلى تدهور العلاقات المدنية العسكرية بسبب مهاجمة بازوم للقادة العسكريين بأنهم فشلوا في مهامهم الأمنية، ومن ثم لا يصلحون لتولي السلطة، وتأكيداً لذلك كانت هناك عدة محاولات للإطاحة به، منها ما كان قبيل أدائه اليمين في مارس 2021 وأخرى في مارس 2022.

وقد اجتمعت العديد من الدوافع التي أدت إلى رفض الدولة العميقة لبازوم، لعل أهمها سياسة بازوم المنحازة للغرب خاصة فرنسا، حيث بات يوصف برجل فرنسا الأول في منطقة الساحل؛ حيث إنه في الوقت الذي لفظت دول الجوار الوجود الفرنسي، رحب هو به في نيامي خاصة بعد انتهاء عملية برخان، بل تخطى الأمر ذلك إلى مناهضته لقادة دول الجوار من العسكريين الذين استولوا على السلطة، وطردوا العناصر الفرنسية بمباركات شعبية، فضلاً عن دعمه وحثه ل«الإيكواس» لفرض عقوبات على تلك الأنظمة، ما خلق عداء بينه وبين تلك الدول التي أكدت تأييدها المطلق له، بل وتخندقها مع الجيش النيجري ضد أي محاولة لإرجاع بازوم بالقوة، في شبه حلف شعبي وعسكري يضم كلاً من النيجر وبوركينا فاسو ومالي وغينيا.

لا شك أن هناك جملة تداعيات محتملة لهذا الانقلاب، خاصة على دول الجوار وأيضاً على الخريطة السياسية والعسكرية للمنطقة وإعادة توزيع الأدوار ومناطق النفوذ فيها، بل من الممكن أن تشمل القارة بأسرها. ففيما يخص دول الجوار، هناك الجزائر التي تشترك مع النيجر بحدود ممتدة ترتبط معها بمصالح أمنية واقتصادية هامة، وهو ما سيؤثر في صادرات الجزائر للعمق الإفريقي وتأمين تلك الحدود ومكافحة نشاط الهجرة غير الشرعية. أيضاً نيجيريا التي تعاني من ضربات «بوكو حرام» التي تنشط على الحدود المشتركة لها مع نيامي، كذلك المثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر الذي يعد أخطر منطقة بالعالم، من حيث النشاط الإرهابي وكذلك السودان التي بينها وبين النيجر ممر صحراوي مفتوح في تشاد، غير خاضع لسيطرة حكومة اندجامينا، وتجمعهما قبائل وبطون عرقية مشتركة، قد تدفع بعضها للانخراط في الاحتراب الداخلي الطاحن في الخرطوم. أما ليبيا فأمرها أكثر تعقيداً بانحلال عقد الأمن وعدم السيطرة على منطقة الحدود المشتركة، ما من شأنه أن يزيد ظاهرة تهريب المهاجرين والاتّجار بالبشر. لكن يبقى التخوف الأكبر من عودة «داعش» للانتشار في ليبيا مرة أخرى.

وكما تشير التطورات اللحظية المتلاحقة لهذا الانقلاب، والتي تعدت حدود النيجر لترشح زيادة تراجع الأوضاع الأمنية المتردية بطبيعتها، إلا أن الأمر الذي بات ثابتاً أن المنطقة أصبحت اليوم غير ما كانت عليه بالأمس.

* باحث في العلاقات الدولية - متخصص بالشأن الإفريقي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycxr35ut

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"