الدور المستقبلي لوجهات البيع بالتجزئة

22:21 مساء
قراءة 4 دقائق

لا يختلف اثنان على أن مراكز التسوق تمثل اليوم حجر الزاوية التجاري بالنسبة للمجتمع الحديث، إذ إن مفهوم مراكز التسوق قطع شوطاً طويلاً منذ أن افتتح «غاليريا فيتوريو» في ميلانو، الذي يُعتبر أول مركز تسوق في العالم، أبوابه منذ ما يقرب من 150 عاماً. وقد استطاع مركز «غاليريا فيتوريو» أن يجمع بين تجارة التجزئة وتجربة تناول الطعام وثقافة المقاهي في نقطة مركزية تقع بين كاتدرائية ميلانو ودار الأوبرا. ويمثل مركز التسوق في جوهره مركزاً مجتمعياً كان ولا يزال حتى اليوم، مكاناً لا بد من زيارته في ميلانو.

وانطلاقاً من هذه النقطة بالتحديد، تطور مفهوم مراكز التسوق من مجرد أروقة مفتوحة تربط بين مواقع مختلفة، وصولاً إلى مفهوم المساحات المغلقة. وأصبحت هذه المراكز في الولايات المتحدة، وجهات تسوق ملائمة لا سيما في الضواحي. وبحلول عام 1960، كان هناك حوالي 4500 مركز تسوق في الولايات المتحدة، وبدأت دول أخرى تنضم إلى هذه القائمة وتعتمد هذا المفهوم في التسوق. ومع انتشار «الضواحي»، أصبحت وجهات التسوق التي توفر الوقت والجهد نواة الفكرة التي تقوم عليها مراكز التسوق الحديثة في جميع أنحاء العالم. وقد تبنت دولة الإمارات هذا المفهوم في عام 1981 مع إطلاق مركز الغرير، الذي كان افتتاحه إيذاناً بانطلاقة رحلة الإمارات لتصبح مركزاً عالمياً للبيع بالتجزئة.

ويبلغ حجم سوق مراكز التسوق العالمية في الوقت الحاضر نحو 5.4 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يشهد هذا السوق نمواً بأكثر من 40% ليصل حجمه إلى 7.8 تريليون دولار بحلول عام 2028. إلا أن توقعات النمو هذه لا تخلو من تغيير آخر على مفهوم مركز التسوق، إذ إن مراكز التسوق تجاوزت الدور التقليدي لها كمراكز للتبضع والتسوق، وتطورت، أو بالأحرى عادت إلى ما كانت تمثله من مساحات مجتمعية حيوية ووجهات لأسلوب الحياة.

أدى تنامي التجارة الإلكترونية الذي رافقه تغير جذري في أنماط الإنفاق، إلى تغيير سلوك المستهلك، وتغيير الأمور التي تدفع الناس للتوجه إلى وجهة مادية للبيع بالتجزئة. وتم استبدال عادة النزول إلى التسوق أو شراء البقالة الأسبوعية، براحة التسوق في أي وقت كان، والتفاعل الاجتماعي والمشاركة في التجارب.

واعتبر الكثيرون ذلك الأمر بمثابة صعوبة حقيقية أمام جهود التكيف والابتكار وإعادة تحديد الهدف. فمنذ عام 2014، تضاعف سوق التجارة الإلكترونية العالمي أكثر من ثلاث مرات ليصل إلى 4.9 تريليون دولار في عام 2021، بما في ذلك قفزة حادة في عام 2020 على خلفية القيود المرتبطة بجائحة «كوفيد-19». وبينما عاد مسار النمو إلى مستويات ما قبل الجائحة، إلا أنه لا يزال يمضي في اتجاه تصاعدي. وقد شكلت التجارة الإلكترونية في العام الماضي ما يقرب من 20% من إجمالي مبيعات التجزئة العالمية، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 24% بحلول عام 2026. ولكن في مواجهة مثل هذه المنافسة القوية، لا تزال مراكز التسوق تحظى بشعبية مهمة، ليس بسبب الراحة التي توفرها وحسب، بل لأنها تجمع الناس معاً. ويبحث المواطنون والمقيمون في دول مجلس التعاون الخليجي عن أماكن تجمّع مميزة تعبر عن مجتمعهم، تماماً مثل «غاليريا فيتوريو» في ميلانو.

تقوم المراكز التجارية بالمساهمة في بناء المجتمع على ثلاثة مستويات، فهي تمثل أولاً مراكز مجتمعية، إذ تضم كل شيء تحت سقف واحد، من محال تجارية ومطاعم وصالات سينما، وصولاً إلى فروع مصارف، ومراكز لياقة بدنية، ومراكز طبية.

وثانياً، تشكل مراكز التسوق جسراً يربط بين المجتمعات والثقافات المختلفة، وبيئة تشجع على التفاعل الاجتماعي وتعزز الشعور بالانتماء. كما توفر هذه المراكز فرصة لاستكشاف تجارب جديدة بصحبة الأصدقاء والعائلة، أو حتى تجربة أطباق وتقاليد دول أخرى، إذ إن تجربة تناول الطعام قد تمثل الدافع الأساسي عند البعض لزيارة مركز التسوق.

أما ثالثاً، فتوفر مراكز التسوق منصات لتعزيز المسؤولية الاجتماعية، حيث تتصدر هذه المراكز عبر مبادرات المسؤولية الاجتماعية المؤسسية، كنشاط جمع التبرعات، وجهود إلهام الناس لرد الجميل للمجتمع.

تحتاج مراكز التسوق لكي تساهم بنشاط في بناء المجتمع، إلى تلبية احتياجات زوارها، عبر توفير مساحات عامة يسهل الوصول إليها، وتتسم بالشمولية، لترحب بمختلف شرائح المجتمع. ويشير بحث أجرته شركة ماكينزي إلى أهمية إزالة أي جوانب قد تثير امتعاض الضيوف واستبدالها بنقاط تبعث على البهجة والسرور. ويبقى الهدف دائماً خلق تجارب تسعد الضيوف. ومع ذلك، فإن الطريقة التي نقوم بتحقيق هذا الأمر من خلالها تتطور وتتغير بشكل دائم، بما يتماشى مع الاتجاهات والتكنولوجيا. ويرتكز هذا النهج بشكل أساسي على إعادة صياغة وبناء تجربة الضيف، حيث يرغب نحو 60٪ من المستهلكين في أن تركز أكثر من نصف مساحات البيع بالتجزئة على المشاركة في تجارب. كما يفضل الضيوف الاتصال والتخصيص، لذلك ينبغي على مراكز التسوق أن ترتقي بمستوى عروضها لتتوافق مع التركيبة السكانية المحلية. وعند القيام بأي خطوة من تلك، يجب أن تكون مشاركة المجتمع موجودة في صميم كل ما تقدمه مراكز التسوق. ويمكن لمراكز التسوق من منظور أصحاب المصلحة، أن تحدث فرقاً كبيراً عبر خلق بيئة مواتية للشركات المحلية، وتوفير منصة تساعدها على النمو.

وفي الختام، يمكن أن تكون مراكز التسوق مفيدة في دعم ومناصرة التغيير الإيجابي داخل المجتمع. ويوفر عام الاستدامة في دولة الإمارات والفترة التي تسبق انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين لتغير المناخ، مؤتمر الأطراف (COP28)، فرصة مثالية للبدء بإطلاق عملية إصلاح مستدامة.

* الرئيس التنفيذي لشركة المارية للتجزئة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/demafvb7

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي لشركة المارية للتجزئة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"