أحدثوا تغييراً بنسيج الاقتصاد

21:06 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

ترى دراسات اقتصادية أن السوق الأمريكية تمثل السوق الأكثر اتساعاً وعمقاً الذي يمكن للاقتصاد أن يعرض فيه كل شيء بداية من أحدث الأبحاث العلمية وصولاً إلى التعليمات الروتينية لتصميم الآليات والتحليلات الاستراتيجية والتكهنات، حيث إن السوق المالية الأمريكية وحدها توفر فرص عمل لآلاف الاقتصاديين. كما تمثل البنوك الكبرى ومؤسسات «وول ستريت» مناهل للأبحاث الجادة. وعن طريق مؤسسة العلوم الوطنية بشكل أساسي تقوم الحكومة الأمريكية بإنفاق عديد من مئات ملايين الدولارات سنوياً على تدريب الاقتصاديين وعلى رعاية البحث الاقتصادي البحت. وتصبح هناك فرصة متاحة للتخصص والتنقيب في الكتب والمراجع واختبار الذكاء بين المتنافسين والساعين إلى تحقيق نفس الطموحات، وتحتدم المنافسة في جامعات الأبحاث في البلاد (وذلك على الرغم من أن الكليات التابعة لتلك الجامعات تضم كثيراً من العلماء الناشطين). وتلفت تلك الدراسات إلى إلقاء نظرة على قائمة رؤساء الجمعية الاقتصادية الأمريكية في السنوات القليلة الماضية، فإنه على الفور ستنبعث فوراً صورة مركبة لجميع الطرق المتنوعة لكسب العيش؛ فهناك «آرنولد هاربرجر» الذي أدى زواجه من امرأة تشيلية إلى تكوين روابط قوية بين طبقة التكنوقراط في تشيلي وجامعة شيكاغو، وهي الروابط التي استطاعت عن طريق عدد من تموجات لانهائية إلى تغيير ممارسات اقتصادات التنمية على مستوى العالم. كما أن «أمارتيا سين» الذي نشأ في قرية بنغالية صغيرة وتدرج في المناصب حتى أصبح رئيس كلية «ترينتي» في كامبريدج، وذلك بحكم تساؤلاته القوية حول طبيعة الثروة والفقر. «فيكتور فوخس»، والذي بدأ حياته بدراسة اقتصاديات تجارة بيع الفراء بالتجزئة، ليتحول نتيجة ذلك ويصبح أحد أوائل الدارسين المحترفين لاقتصاديات الرعاية الصحية. و «زفي جريليتشيز» الذي ركز أبحاثه على أهمية الذرة الهجينة وركز اهتمامه على أبحاث وتنمية المؤسسات.«ويليام فيكري الكندي اللامع - الذي تصفه تلك الدراسات بغريب الأطوار – والذي سبق زمنه بعديد من السنين، وكان قد طواه النسيان من جانب القائمين على المهنة – وذلك حتى الوقت الذي قام فيه تلاميذه السابقون بالضغط من أجل انتخابه كرئيس للجمعية وأثاروا الجدل حول أحقيته في الحصول على جائزة نوبل (وقد مات بعد حصوله على الجائزة بثلاثة أيام).«توماس شيلينج» ذلك الاستراتيجي الرائد الذي استطاع أن يوظف نظرية اللعبة في الحياة الاقتصادية اليومية لثلاثين عاماً. «جيرالد ديبرو» وهو الذي تصفه تلك الدراسات بالفرنسي المتقشف الذي دوّن الاقتصاد الرياضي في الوقت الذي تكشفت فيه حركة «ببركيلي» لحرية التعبير خارج نافذته. وإذا رجعت بالزمن لفترة كافية في حقيقة الأمر ستجد شخصية مثل «كينيث جالبريث» الاقتصادي الأدبي الذي نقد المهنة على إثر قراءته لعديد من الكتب. والذي قيل عنه إنه حصل على رئاسة الجمعية بعد الرئيس السابق لها«ميلتون فريدمان» وهو الأمر الذي أغضب لجنة الترشيح (والتي كان هو أحد أعضائها) عن طريق التأكيد على أن«جالبريث» لم يكن اقتصادياً على الإطلاق. وفضلاً عن كل ذلك، فإن كثيراً من أولئك الذين أثّروا بعمق في الاقتصاد لم يشهدوا أبداً أي اجتماع، على الأقل حتى الوقت الذي استطاعوا أن يصلوا فيه إلى تحقيق الشهرة على المستوى العالمي. والاقتصاد مثله مثل أي علم آخر، فهو يعطي أعلى الدرجات لأولئك الذين يعملون في عالم الأبحاث الحقيقية بطريقة تؤدى إلى تغيير طريقة عقول المهنيين. ولذلك فإن فرقة صغيرة من الأعضاء الشرفيين الأجانب في الجمعية الاقتصادية الأمريكية (والذين لا يتجاوز عددهم الأربعين) استطاعت أن توفر طريقة أصبح من خلالها يمكن التعرف على أكثر المفكرين أهمية في البلدان الأخرى. أما كبار الشخصيات والذين لم يكن من المتوقع أن يصبحوا رؤساء للجمعية، وتتمتع مساهماتهم بقدر كبير من الأهمية، تم تعيينهم كزملاء ممتازين للجمعية، معدل اثنين سنوياً. وبالنسبة لقمة المهنة على الأقل فيما يخص الحفاظ على المكانة خارج الجمعية، يوجد الحاصلون على جائزة نوبل للاقتصاد التي تمنح لأولئك الذين استطاعوا إحداث تغيير كبير في النسيج الاقتصادي، أو في الرؤية الخاصة بجميع العاملين في مجال الاقتصاد.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3vzmrhw9

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"