النموذج الأفضل في الاقتصاد

22:39 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبد العظيم حنفي*
لا يوجد سوى قليل جداً من المجادلات التي تمت تسويتها بصفة نهائية في الاقتصاد، حيث لم يتم التوصل ببساطة إلى حل التساؤل المتعلق بتحديد النموذج الأفضل. أما في الفيزياء، فقد تمت تسوية جميع الشكوك التي كانت قائمة حول دلالة قانون «E= mc2» بشكل كامل وللأبد بين العلماء والأشخاص العاديين على حد سواء، عن طريق تفجير قنبلة نووية انشطارية. ولكن لا يوجد في الاقتصاد سوى قليل من هذه التأكيدات المتفجرة. وهذا لا يعنى أنها لا توجد مطلقاً.

وقد تم انقطاع الجدل حول اقتصاد المعرفة في ديسمبر 1993، مع وصول أخبار عن دراسة ستؤدى في حد ذاتها إلى حل مشكلة تحديد أي نماذج النمو الاقتصادي أفضل، وبشكل أساسي. وتتسم تحليلات الارتداد كلها بالجودة. ولكن القيام بتجربة جيدة يمكن أن يقدم حالة لفكرة جديدة بقوة بلاغية مسيطرة.

إن الحكمة التقليدية هي أن الاقتصاد لا يمكن أن يتضمن تجارب. وهنا، على أي حال، توجد قصة أخذت عن التاريخ الإنساني، وهي ليست حتى «تجربة فكرية» ولكنها حقيقية، حيث تتضمن بيانات شديدة الوضوح. ولا توجد أي تعديلات في تعادل القوة الشرائية. كما لا توجد ضرورة للمقارنات بين الدول.

كان التغير التكنولوجي الواضح هو المصدر الأساسي للنمو الاقتصادي. ويتفق نموذجا «رومر» و«سولو» مع هذا القدر. ولكن هل كانت عملية نمو المعرفة عملية اقتصادية أساساً؟ أم أن منابع هذا النمو لا تزال غامضة أو مستعصية، لدرجة أنها لا بد أن تظل خارج الحدود بالنسبة للاقتصاديين؟ وهل هي خارجية؟ أم داخلية؟ أم صندوق أسود؟ أم العكس؟ إن لب المسألة يتعلق بالتداعيات الخاصة بالسياسات. هل كان النمو متعلقاً بالسياسات الاقتصادية للدول ذات السيادة؟ أم لم يكن هناك كثير ليتم اتخاذه حيال ذلك؟ كان شكل البيانات متفرداً تماماً كشكل سحابة على هيئة عيش الغراب.

كان «ويليام نورد هاوس» هو من أجرى التجربة. وكان «نورد هاوس» هو من حاول وهو طالب للدراسات العليا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 1967، أن يغرس البحث والتطوير في نموذج «سولو» للنمو، باستخدام المنافسة الاحتكارية، وقد تم إسقاط هذا الجزء من رسالته، كما تم إسقاطه من كتابه الذي ظهر بعد ذلك بعنوان «الاختراع، والنمو، والرفاهة: معالجة نظرية للتغير التكنولوجي، الذي نشر في نهاية الأمر كورقة قصيرة في المجلة الاقتصادية الأمريكية «AER» في عام 1969. ولم يُظهر «نورد هاوس» حجم الإحباط الذي أصيب به كشاب في مقتبل حياته جراء ذلك. ثم عاد إلى جامعة «ييل» ليعمل بالتدريس (كان قائداً لفريق التزلج في أثناء دراسته كطالب هناك).

ازدهر «نورد هاوس» على مدار الأعوام الخمسة والثلاثين التالية في شكل تركيبة غير معتادة ضمّت المفكر المخترع والمواطن النافع. وكان العمل الذي بدأه في أوائل السبعينات ليوسع حسابات الدخل القومي لتشمل البيئة قد بدأ يؤتى ثماره. أصبح خبيراً رائداً في الاحتباس الحراري العالمي وفي الحسابات غير السوقية بشكل عام. وفي الفترة من 1977 إلى 1979 كان عضواً في مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس «جيمي كارتر»، ومن ثم عين نائب رئيس لجامعة «ييل» Yale، ثم تولى لبعض الوقت منصب نائب رئيس الجامعة للشئون المالية والإدارية. وفي عام 1985 انضم إلى «بول صامويلسون»، وعمل معه مؤلفاً مشاركاً في كتابه الدراسي الشهير، الذي تم نشر الطبعة الثامنة عشرة منه في خريف عام 2004م. هل كان هناك أي نية محددة في عقل «نورد هاوس» عندما وصل إلى هذه التجربة؟، لا. على حد قوله، على الأقل ليس بصورة واعية، فعندما بدأ في السبعينات كان فقط يحاول أن يصل إلى طريقة للتعامل مع سعر النفط.

كان ذلك في عام. وعلى غرار كثيرين غيره من الاقتصاديين كان يفكر آنذاك في أزمة النفط على إثر ارتفاع أسعاره بمقدار أربعة أمثالها.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3udnmjsp

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"