اتجاهات البوصلة الإفريقية

00:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

في أقل من 3 سنوات، شهدت إفريقيا ثمانية انقلابات عسكرية، في قارة، كانت قد مضت منذ عقدين تقريباً في تنفيذ خطوات معقولة باتجاه الديمقراطية السياسية. وللوهلة الأولى، يبدو من السهل القول، إن مسار الانقلابات هو انتكاسة لمجمل المسار الديمقراطي للشعوب والدول الإفريقية، وهذه الخلاصة الأولية ليست خاطئة كلياً، لكنها تغطي فقط جانباً واحداً، وجزئياً، من الصورة الكلية، فمن دون وضع هذه الخلاصة في ميزان التحوّلات والاضطرابات في النظام الدولي، لا يمكن فهم مؤشرات واتجاهات البوصلة الإفريقية، فالعامل الخارجي عامل أساسي تاريخياً في معادلات القارة، وهو أقوى بكثير من العوامل الداخلية، من دون نفي أهميتها، أو التقليل من شأنها.

 في قلب المسار الديمقراطي الذي شهدته معظم دول القارة الإفريقية، كانت فرنسا، القوة الاستعمارية القديمة، حاضرة في عملية التغيير الديمقراطي، لكن من خلال الدفع نحو إجراء تحوّلات شكلية، جعلت من العملية الديمقراطية برمّتها مختصرة، وبشكل كبير، في صندوق الانتخابات، أي أن الهدف النهائي من الدفع نحو ديمقراطيات شكلية، هو إعادة إنتاج نفوذها، عبر نخب مدنية، مع إبقاء قواعد اللعبة المصلحية على حالها، وهو ما تفسّر جانباً كبيراً منه، حالة الفقر واسعة الانتشار، والتي أسهمت في زيادة واسعة في هجرة الأفارقة غير الشرعية، خصوصاً في العقد الأخير، ما يؤكد أن ما سمي بمسار التحوّل الديمقراطي في إفريقيا، لم يسهم عملياً في استقلالية القرار الاقتصادي للحكومات، وزيادة حصّة الشعوب من الثروات، بما ينعكس إيجاباً على مجمل العمليات التنموية، وزيادة الناتج القومي، ولا في زيادة دخل الأفراد؛ بل ما حدث هو العكس تماماً.

 مواقف فرنسا المتشددة تجاه الانقلابات العسكرية، خصوصاً ضد الانقلابيين في النيجر، هي مواقف مفهومة، ليس على قاعدة رفضها لمبدأ الانقلاب العسكري على النظام السياسي الديمقراطي؛ بل لأن مفاعيل هذا الانقلاب تتعارض مع مصالحها الاقتصادية، من جهة، ولأن الانقلابيين يميلون إلى الجهة الروسية سياسياً، ولأن وصولهم للحكم، هو في المآل الأخير، انتصار لموسكو في الساحة الإفريقية، ضد مصالحها خصوصاً، وضد المصالح الغربية عموماً، كما أن الحضور القوي والمتنامي للنفوذ الروسي في عدد من بلدان القارة، من شأنه أن يشكّل مع الوقت ضربة قاضية لمجمل استثمارها التاريخي في بناء نفوذ طويل الأمد.

 قد لا تشكّل احتياطات النفط والغاز في القارة الإفريقية، عاملاً نوعياً حاسماً في الأسواق العالمية للطاقة، لكن، هذه الاحتياطات، إذا ما أضيفت، في ميزان السياسة والنفوذ والتحكّم في موارد الطاقة، إلى موقع روسيا الحيوي في الأسواق، فإنها ستلعب دوراً مهماً في موازين القوى في سوق العمل الدولي، لكن، ليس الصراع على موارد الطاقة التقليدية فقط هو مجال التنافس الوحيد في «المصنع العالمي»؛ بل أيضاً، وبشكل أساسي، الصراع على المعادن، التي تدخل في صلب الصناعات العولمية، والتي تشكّل إفريقيا أحد أهم خزانات الطاقة لهذه الصناعات.

 وإذا كانت المعادلة الأساسية في التنافس على الحصص في سوق العمل الدولي، هي في طرفها الأول زيادة مستوى التحكّم بمنابع الطاقة، وسهولة الوصول إلى الموارد بتكاليف رخيصة الثمن، وتأمين تدفقها واستقراره، وفي طرفها الثاني، السيطرة على أوسع مساحة من سوق السلع المنتجة، فإن الصراع الدولي المحتدم، لتحديد طبيعة العلاقة بين الدول النافذة في سوق العمل الدولي، تتجلى اليوم في القارة الإفريقية، من خلال إحداث تغيّرات في ولاءات النخب الحاكمة، لتأمين النفوذ المطلوب، ومن الطبيعي بمكان في هكذا وضع، أن تكون الانقلابات العسكرية، أحد أكثر الوسائل الأكثر نجاعة في إحداث التغيير المطلوب.

 في هذا التغيّر في البوصلة التقليدية لإفريقيا، وتحويل اتجاهها من فرنسا والغرب إلى روسيا والصين، لا تكمن في صميمه مصالح الشعوب، سوى كونها أيديولوجيا، سيجري استخدامها، فالاتجاهات الجديدة، تعبّر بالدرجة الأولى عن زيادة مستوى الاحتدام في الصراع الدائر في النظام الدولي، وليس عن تطوّر نوعي في بناء منظومات حكم سيادية، خصوصاً أن القوى السياسية المحلية، هي الطرف الأضعف إلى الآن في معادلات السياسات المحلية/ الوطنية.

 ومن شأن هذه الانقلابات، أن تدفع القوى الغربية، إلى تبني استراتيجيات وتكتيكات جديدة، بما فيها الرد على الانقلابات العسكرية بانقلابات مماثلة، وهذا السيناريو في حال حدوثه، سيدخل العديد من الدول الإفريقية في دوامة انقلابات، لا يمكن التكهّن بنتائجها، لكن، من المؤكد أنها ستدفع الشعوب الإفريقية إلى مزيد من الفاقة والفقر، والاعتماد على القروض الدولية، أو المساعدات الأممية، ما يعني ولادة فصل طويل من الحروب والكوارث.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ttm94nk

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"