تقديم العزاء إلى أهل الميت واجب ومشروع، وهو من حقوق الأخوة في الله، لما فيه من جبر الخواطر، والمواساة في المصائب، والتواصي بالحقِّ، والتواصي بالصبر، واتباع لهدى النبي، صلى الله عليه وسلم، فالمسلم يفرح لفرح إخوانه ويحزن لمصابهم.
يقول محمد سعيد مبيض في كتابه (الآداب الاجتماعية في الإسلام) إن التعزية شرّعت لتصبير المصابين على مصائبهم بتذكيرهم بآيات القرآن في الصبر، وبأحاديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وبصبر الصالحين وما أعد الله للصابرين من أجر، وفي ذلك تخفيف من وقع المصيبة، وإشغال لهم عن التفكير بالفقيد، ويستحسن أن لا تزيد مدة التعزية عن ثلاثة أيام للمقيمين، تخفيفاً عن أهل المتوفى، وإبعاداً لهم عن ذكريات الحزن، إلا إذا كان المعزي قادماً من سفر، فلا بأس بقيامه بواجب التعزية، وذلك استنتاجاً من منع رسول الله، صلى الله عليه وسلم الحداد أكثر من ثلاثة أيام.
في الحديث الشريف: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدَّ على ميت فوق ثلاث ليال، إلا على زوجها، أربعة أشهر وعشرا» رواه البخاري. وذلك إكراماً للرابطة الزوجية المقدسة.
ولا بأس بأن يجتمع أقارب المتوفى في بيت واحد يتلقون التعازي، ذلك لأن اتساع رقعة العمران، وتوزيع الأقارب في أنحاء متباعدة من البلدة، يجعل زيارة معظمهم متعذرة، وكذا اجتماعهم على نسق، لتلقي تعازي المشيعين على المقبرة، بدلاً من أن يُحمّلوا المشيعين مشقة التطواف عليهم، لا بأس به والله أعلم ما دام ذلك بقصد التنظيم والتيسير على الناس.
وبحسب ما وردت في كتاب (تربية الأولاد في الإسلام) للدكتور عبدالله ناصح علوان، فالتعزية معناها تصبير أهل الميت بكلمات لطيفة، أو بعبارات مأثورة تسلي المصاب، وتخفف حزنه، وتهون عليه المصيبة، والتعزية مستحبة ولو كان ذِمّيا: لما روى ابن ماجة والبيهقى عن عمرو بن حزم - رضي الله عنه - عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «ما من مؤمن يعزى أخاه بمصيبته إلا كساه الله، عز وجل، من حُلل الكرامة».
وروى الترمذي والبيهقي عن عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: «من عزّى مصاباً فله مثال أجره».
وينبغي أن تكون التعزية لجميع أهل الميت وأقاربه، سواء كان ذلك قبل الدفن أو بعده إلى ثلاثة أيام، إلا إذا كان المُعزّىَ أو المُعزّىِ غائباً فلا بأس بالتعزية بعد الثلاث.
وللتعزية آداب أهمها:
* التلفظ بالمأثور إن أمكن: يقول الإمام النووي في كتابه (الأذكار): وأحسن ما يعزى به، ما روينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: «أرسلت إحدى بنات النبي، صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه، وتخبره أن صبياً لها في الموت، فقال لمن أرسلته: ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ، ولله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب».
ويقول الإمام النووي: وأما لفظ التعزية فلا حجر فيه، فبأي لفظ عزّاه حصلت، واستحب أصحابنا أن يقول في تعزية المسلم للمسلم: (أعظم الله أجرك، وأحسن الله عزاءك، وغفر لميتك)؛ وفى تعزية غير المسلم: (أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك).
* استحباب صنع الطعام لأهل الميت: استحب الشرع الإسلامي صنع الطعام لأهل الميت، لأنه من البر والإحسان وتقوية الصلات الاجتماعية، ولأن أهل الميت مشغولون بصاحبهم، ومكلومون بمصابهم، روى أبو داود وابن ماجة والترمذي عن عبدالله بن جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم»، وكان ذلك بعد أن علم آل جعفر بخبر استشهاد جعفر بن أبى طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة.
واتفق الأئمة على كراهية صنع أهل الميت طعاماً للناس يجتمعون عليه؛ لحديث جرير قال: «كنّا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة»، واستثنى الفقهاء من يحضر من أماكن بعيدة للتعزية، ولا يمكن لأهل الميت إلا أن يُضَيِّفوه، وأما ما يفعله بعض الناس اليوم من صنع الطعام، أو تقديم ضيافة في أثناء التعزية فمن البدع السيئة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وعلى المعزّى أن يرفض أي ضيافة تقدم إليه لكونها تتنافى مع الهدي النبوي، والأدب الإسلامي.
* إظهار التأسي لمن يواسيهم ويعزيهم: وذلك بالتخشع عند الإنصات إلى القرآن الكريم، والتحدث بأحاديث تتفق مع المصيبة، والتلفظ بألفاظ التعزية المأثورة والمروية عن السلف..