عادي
يمثل مصر في الأوسكار ويعكس قصة حقيقية

«ڤوي ڤوي ڤوي».. مُرّ على طبق فضي

23:27 مساء
قراءة 5 دقائق
فريق المكفوفين لكرة القدم

مارلين سلوم

كم مرة وصل صوت السينما المصرية إلى العالم من خلال أكبر مهرجان سينمائي ينتظره كل أهل الفن والنقاد والجمهور على هذا الكوكب؟ قد لا يعنينا كثيراً أن يتم تصنيف أعمالنا ضمن الأقوى والأفضل بين الأفلام غير الناطقة بالانجليزية (أي الأجنبية) والتي ترضى لجنة «الأوسكار» الموافقة على قبولها للتنافس في أي دورة من دورات المهرجان والذي يقام عادة في شهر مارس، لأننا نعرف جيداً أن «الأوسكار» له معاييره الخاصة ولا يوافق على تقدم ونجاح أي فيلم إذا لم يستوف شروطاً معينة، منها مثلاً أن يظهر البؤس ومعاناة الناس واضطهادهم أو صعوبة الحياة التي يعيشونها في بلدانهم، لكن اختيار «فوي فوي فوي» ليمثل مصر في الدورة السادسة والتسعين المقبلة للأوسكار فهو نجاح نشعر بطعمه منذ الآن حتى ولو لم يفز بالمسابقة، ولأسباب كثيرة منها ذكاء معالجة القصة التي تبدو مأساوية بينما هي كوميدية تبعث فيك الضحك والبهجة، وكأنها تقدم المرّ على طبق من فضة.

نعرف محمد فراج ونيللي كريم وبيومي فؤاد وطه دسوقي وحنان يوسف ونتحمس لمشاهدة فيلم من بطولتهم إذا اجتمعوا فيه، لكن وجودهم وحده لا يكفي كي يضمن نجاح الفيلم، فعلى ماذا راهن عمر هلال مؤلف ومخرج «فوي فوي فوي»، خصوصاً أنه يغامر بتقديم أول فيلم سينمائي له، وهو لم يرتبط اسمه سابقاً سوى بإخراج الإعلانات التجارية؟ وعلى ماذا راهن هؤلاء النجوم حين وافقوا على المشاركة في الفيلم؟ من يشاهد الفيلم يدرك جيداً أن الرهان الأول والأقوى هو على القصة التي استوحاها هلال من قصة حقيقية، وهي بحد ذاتها فيها من الغرابة والطرافة ما يضمن نجاحها إذا عرف الكاتب صياغة تفاصيلها وجذب الجمهور بحبكة متماسكة.

  • اسم الفيلم

أول ما يلفتك هو اسم الفيلم، غريب إلى حد يدفعك لتسأل مباشرة: ما معنى فوي فوي فوي؟ هي كلمة إسبانية يستخدمها لاعبو كرة القدم من المكفوفين لتشجيعهم أثناء لعب مباراة؛ من هنا تبدأ في فهم الإطار العام الذي يدور فيه الفيلم، قصة الشاب حسن السيد علي، موظف الأمن في مركز تجاري، يسعى إلى تحسين ظروفه المعيشية خصوصاً أنه يحمل شهادة جامعية، لكن الأبواب شبه مغلقة في وجهه وهو يرفض العمل في أي وظيفة لا طموح فيها، ولن تحقق له التقدم الذي يحلم به؛ يبدأ الفيلم بما يرويه علينا الراوي (صوت بيومي فؤاد) ومفاده بأن الحياة عجيبة، وأننا سنشاهد قصة حسن الرجل الفذ و«القذر».

اختار المخرج أن تكون أحداث قصته في عام 2013، أجواء الثورة والفوضى، وحسن (محمد فراج) يحكي لصديقيه ما حصل له في شرم الشيخ، حيث حاول أن يعمل «جيغولو» أي شاباً يعاشر السيدات الكبيرات في السن، لكن حظه السيئ أوقعه في جوليا الأجنبية السبعينية، والتي ماتت بشكل مفاجئ في تلك الليلة، ثم تعرف إلى امرأة في الثمانين من العمر.. مغامرات فاشلة لم يكسب منها شيئاً، وابنة الجيران بسمة (بسنت شوقي) تحبه وتحاول الضغط عليه كي يتزوجها بينما هو عاجز عن اتخاذ هذه الخطوة، لسوء أحواله المادية (كما كنا نشاهد في السينما المصرية من زمن الأبيض والأسود).. يحلم حسن بالهجرة ولا يهمه إن كانت غير شرعية، فيذهب إلى أحد هؤلاء السماسرة الذي يشرح له مسبقاً ما الذي عليه فعله كي يستطيع السفر وما الذي سيحصل خلال رحلته..

المخرج يلعب بذكاء على تصوير مشاهد الهجرة بتفاصيل مراحلها الصعبة وكل ما سيواجهه حسن من مخاطر، حيث يتم تهريب الناس عن طريق البحر باتجاه قبرص، في رحلة بحرية تستغرق ثلاثة أيام، ثم تصل المركب إلى الشاطئ في إيطاليا، حيث يتوجب على المسافر النزول من المركب وتسليم نفسه للسلطات الإيطالية، مرارة يعبّر عنها هلال على لسان «تاجر الهجرة» بقوله لحسن «عيّط بس ما تعيّطش بالمصري حتى لا يعيدوك إلينا»، ورغم كل تلك المراحل المخيفة والشاقة يفكر حسن بالهجرة كحل لوضعه المادي والاجتماعي السيئ، خصوصاً أنه يعيش في بيت صغير مع والدته (حنان يوسف) التي تعمل في تنظيف البيوت وهي غير راضية عن تذمر حسن ورفضه للعمل بأي «شغلانة».. يكاد يمشي الشاب في الطريق غير الشرعي لولا صدمته بالتكاليف الباهظة، حيث يطلب منه الرجل «30 باكو» أي 30 ألف جنيه.

  • مشاكل عائلية

في المقابل نرى الكابتن عادل (بيومي فؤاد) مدرب كرة قدم آلت به الأحوال للعمل مدرب ألعاب رياضية في إحدى المدارس، يعاني تذمر زوجته (لبنى ونس) وتنمرها المستمر عليه مطالبة إياه بالبحث عن وظيفة ثانية، لذلك تخبره أن نادي الإحسان يحتاج إلى مدرب لفريق كرة القدم للمكفوفين، بسبب مرض مدربه الحالي والفريق يستعد للمشاركة في المباريات النهائية للتأهل للمشاركة في بطولة العالم؛ يذهب عادل لمقابلة الدكتور رؤوف (محمد عبد العظيم) طبيب الفريق، فيحصل على الوظيفة التي تسعده ويتأقلم مع وضع اللاعبين سريعاً بفعل خبرته في التعامل مع ابنه وهو من أصحاب الهمم.

من جهة أخرى يسلط المؤلف والمخرج عمر هلال الضوء على عالم السوشيال ميديا و«تفاهة» بعض من يتخذونها مهنة لهم، مثل تلك «الانفلوانسر» أو «المؤثرة» التي تتحدث عن نفسها ومميزاتها بسطحية وغرور يثير اشمئزاز الصحفية إنجي (نيللي كريم) التي تجري معها حواراً؛ تطلب إنجي من رئيس التحرير العمل على تحقيق دسم تتناول فيه قضايا حقيقية وعميقة، فيكلفها بمتابعة قصة فريق «الإحسان» للمكفوفين؛ ولكي تتشابك الخيوط وتتلاقى شخصيات الفيلم في نقطة واحدة، يقرأ حسن بالصدفة عن فريق كرة القدم للمكفوفين واستعداده للمباريات قبل السفر إلى بولندا، فيقرر الادعاء بأنه كفيف، يهيء نفسه ويتدرب على كيفية المشي واللعب بالكرة معتمداً على الصوت الذي تحدثه، بعدما وضعها في كيس بلاستيكي، علماً بأن كرة المكفوفين تكون بمواصفات خاصة، فيها جرس يسمعه اللاعبون أثناء المباراة.

  • مضمون شائق

المفاجآت تتوالى، الديكور بسيط، لا تكاليف باهظة فيه ولا في أماكن التصوير والأزياء، وأكثر ما يهمنا أن نحصل باستمرار على أفلام ذات مضمون شائق، وأن تصل أعمالنا الفنية إلى المنافسة وسط أفلام أخرى من مختلف دول العالم، خصوصاً أن لدينا من الممثلين كفاءات عالية، وفي «فوي» يتألق فراج سينمائياً كتألقه المعهود في الدراما، ومثله بيومي فؤاد، بينما يتراوح أداء نيللي كريم بين المتوسط وللحق نقول أن دورها لا يحمل ثقل البطولة الأولى والقوية.

  • تصرفات الشخصيات

مواقف طريفة، كوميديا سوداء، الضحك ليس أساس بناء العمل لكنه ينتج عن تصرفات الشخصيات وتوالي الأحداث وتفرعاتها التي تقود الأبطال نحو تطورات مفاجئة؛ عمر هلال تميز بالكتابة البسيطة رغم عمق القضية، ناقش الهجرة غير الشرعية وأزمة الشباب المتعلم في إيجاد فرص عمل مناسبة تساعدهم على تحسين أوضاعهم الاجتماعية وتحقيق أحلامهم؛ أحلام تصطدم بالواقع المر كما اصطدم سعيد (طه دسوقي) بحقيقة حبيبته دعاء، رغم أنه الأقل طموحاً وسعياً إلى تحسين أوضاعه، على عكس صديقيه حسن وعمرو (أمجد الحجار)؛ حلم الهجرة إلى الغرب يدفع ثمنه الشباب بأشكال مختلفة، يجسدها الفيلم دون أن تطغى عليه ملامح الحزن والبؤس والسوداوية، وربما هذا أكثر ما يميزه، حتى عمليات النصب بدت طريفة وكأنها غير جدية أو حقيقية.

[email protected]

 

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mbfk97pd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"