عادي

«سيرة وطن»... كتابة بمداد الحب

14:46 مساء
قراءة 5 دقائق
«سيرة وطن»... كتابة بمداد الحب

الشارقة: علاء الدين محمود

الكتابة في الجانب الوطني كثيراً ما تكشف عن العديد من المواقف المشرقة لشخصيات كان لها إسهامها في مسيرة أي بلد ونهضته ورفعته، وكذلك هي تفصح عن مواقف ومنعطفات مرت بها الدولة المعينة، وفي الإمارات تصدت الكثير من الأقلام لعملية الكتابة عن الوطن، ورصد المواقف، وتناول الشخصيات المؤثرة، فكانت عن حق كتابة بمداد المحبة والروح الوطنية. كتاب «سيرة وطن... سيرة حياة»، للدكتورة عائشة السيار، الصادر في طبعته الأولى عام 2018، عن دار «مداد»، للنشر والتوزيع، يعد من الإصدارات والمؤلفات اللافتة في الشأن الوطني، ويكتسب أهمية خاصة؛ كونه من المنجزات الفكرية التي توثّق لمرحلة مهمة من مراحل التأسيس في الإمارات.

1
عائشة السيار تصوير كمال محمد أحمد

تغوص الدكتورة عائشة السيار في تفاصيل سيرة ذاتية حافلة بالعطاء والإنجازات، وترصد الكثير من المنعطفات الحياتية والاجتماعية في مسيرتها الممتدة والحاشدة؛ حيث تعد الكاتبة أحد الرموز الإماراتية في مجال التعليم، فقد أسهمت في حركة التأسيس لتعليم المرأة في الدولة، ويأتي رصدها عن دراية وخبرة كبيرة في مجال العمل العام، وينفتح الكتاب على سيرة المؤلفة، مستصحباً مسيرة الوطن والجهود التي بذلت في سبيل تقدّمه ورفعته، فالكتاب يعبّر عن سيرتين في سيرة واحدة، وتشير الكاتبة إلى تلك المعاني في مقدمة الكتاب حين تقول: «أنا امرأة تفتحت عيناها طفلة، وفتاة، على وطن يشق مساره على طريق النهضة والتقدم، فترافقت خطواتي في العمل والحياة مع خطاه الواثقة، وهو يشكل حضوره على خريطة الوطن العربي، والعالم، ويقف بمنجزاته الباهرة في قلب العصر، لقد غلفت تلك الروح الوثابة حياتنا في ظل قيادة ملهمة للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قادت خطاي، وخطى أبناء وبنات جيلي ممن أخذوا مواقعهم في ساحات العمل الوطني.. لقد ارتبطت حياتي كلها بمهنة التعليم التي أحببتها، ولم أبتعد عنها حتى الآن، وتفتحت خلالها اهتماماتي بالجوانب النوعية للعمل التربوي، ودوره الفاعل في رعاية المتفوقين والفئات الخاصة، ودور الأنشطة المدرسية في توسيع آفاق العمل التربوي، وربطه بتراثه، ومجتمعه، كل ذلك كوّن لدي رصيداً من الخبرات، وكان عوناً لي في عملي، فمع كل موقع كنت أكتسب زاوية أوسع للرؤى، وأواجه مسؤوليات وتحديات أكبر».

* ذاكرة

الكتاب يقع في 239 صفحة من الحجم الكبير، ويشتمل على خمسة فصول وعدد من العناوين الفرعية؛ حيث جاء الفصل الأول بعنوان «من ذاكرة المكان» ويطل على مشاهد وأنماط الحياة في إمارات الساحل المتصالحة، خاصة في الحقول الاقتصادية ومجريات الحياة الاجتماعية والثقافية، وتتناول الكاتبة في الفصل نفسه جانباً من طفولتها في مدينة الشارقة في بعض من أماكنها وبقاعها الحبيبة؛ حيث ترعرعت المؤلفة، فيما أبحرت الكاتبة في الفصل الثاني الذي حمل عنوان «على مقاعد الدراسة»، في تفاصيل رحلتها التعليمية، والتي تزامنت في ذلك الوقت مع مرحلة تطور التعليم في الشارقة، وتعرج المؤلفة على فترة حصولها على شهادة الثانوية العامة في الكويت، ثم الشهادة الجامعية من جامعة القاهرة، وفي هذه المرحلة بدأت تجربة الدكتورة عائشة السيار بالنضوج، وانفتحت على الحياة العامة، وتسنى لها مقابلة الكثير من الكتّاب والمثقفين في القاهرة.

الكتاب هو توثيق للعديد من جوانب الحياة العامة في الإمارات، ففي الفصل الثالث، الذي جاء تحت عنوان «وزارة التربية والتعليم... 1973 – 1998»، توثق الدكتورة عائشة السيار لمأسسة التعليم في الإمارات، كتأسيس وزارة التربية والتعليم، واشتمالها على إدارة تختص بالخدمة الاجتماعية، مروراً بتأسيس قطاع الأنشطة التربوية والمركزية في الوزارة عام 1975، وتضمن هذا الفصل عنواناً فرعياً هو: «زايد بن سلطان آل نهيان باني الإنسان، باني الوطن»، وفيه تتناول الكاتبة أحد منعطفات حياتها المهمة، وهي لحظة اللقاء الأول لها بالمغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وتعكس فيه جوانب مهمة عن شخصية الوالد المؤسس، وموقفه العظيم من تعليم النساء وعملهن، فهو الذي شجعها على الانخراط في ميدان العمل العام، وتبرز الدكتورة عائشة السيار بعضاً من رؤى وأفكار وتوجيهات الشيخ زايد، منها تعزيز رفعة الوطن، وإعلاء شأنه، والتركيز على بناء المواطن الصالح.

أما الفصل الرابع، فقد تناول الكتاب من خلاله قضية المرأة في الدولة؛ من حيث النهضة النسائية وتطورها في الإمارات، ويوثق لجهود سموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، «أم الإمارات» وعطائها اللامحدود في مسيرة العمل الاجتماعي في الإمارات، بدءاً بتأسيس الجمعيات النسائية عام 1973 حتى اليوم، ويتناول الكتاب بشكل عميق تلك المسيرة الكبيرة للمرأة الإماراتية في التعليم والعمل العام، والإسهامات الرائعة التي قدمتها المؤلفة نفسها في هذا السياق، فقد تقلدت الدكتورة عائشة السيار الكثير من المناصب المهمة، ومثلت الإمارات في مناسبات وأنشطة ومحافل دولية عديدة في ألمانيا، والمكسيك، وجامعة الدول العربية، ومؤتمر المؤرخين العرب، وغيرها.

وضرب الفصل الخامس الذي جاء بعنوان «للشارقة أعود»، موعداً مع ألق الكتابة في حضرة إمارة الشارقة؛ إذ تناولت العديد من المحطات المتعلقة بالإمارة الباسمة، فكان أن اشتمل هذا الفصل على العديد من المحاور المهمة؛ منها: «الشيخ سلطان بن محمد القاسمي باني جسور التفاهم والمحبة»، وفيه عرض لمفردات الثقافة في مشروع صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، مع تفاصيل لبنود هذا المشروع، مروراً بنهضة الشارقة التعليمية والثقافية وإقامة جسور المحبة والحوار مع الآخرين، واشتمل هذا الفصل على محور بعنوان «أحلام تتحقق»، ويقدم من خلاله الكتاب توثيقاً مهماً للرؤية الملهمة عند قرينة صاحب السموّ حاكم الشارقة، سموّ الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، وتأسيسها للأندية، ورغبتها في تطوير تجربة رائدة على المستوى العربي، تكون قادرة على احتضان إبداع الفتيات، وتمكين النساء من القيام بأدوارهن في المجتمع، وهناك توثيق لنشأة أندية سيدات الشارقة، ونادي المنتزه للفتيات 1982، وأندية فتيات الشارقة 1994 الذي أصبح لاحقاً نادي سيدات الشارقة؛ حيث أبرزت المؤلفة الكثير من الأنشطة النسائية المهمة والتي كان لها أثرها الكبير والمباشر في النهضة النسوية في الدولة.

* مواقف ومحطات

اشتمل الكتاب على ألبوم للصور، يبرز مواقف ومحطات مهمة في مسيرة الكاتبة، وسيرة الوطن، وتضمن خاتمة تشدد فيها المؤلفة على أهمية التعليم كبوابة للتطور والازدهار والنماء، ودعت فيه إلى أهمية روح الابتكار من خلال ضرورة بناء منظومة تعليمية متكاملة، مرنة، ومتنوعة.

يضع الكتاب القارئ في قلب تلك المضامين والإنجازات التي شكلت عناوين للنهضة الإماراتية، وترصد فيه الكاتبة جوانب مهمة من تجربتها على مدى خمسة وعشرين عاماً في ميدان العمل الوطني في مؤسسات مختلفة في الإمارات، من بينها مجالات العمل الاجتماعي والاقتصادي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ypr7ja57

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"