الحرب وأسئلتها

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

استيقظ سكان المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، ومعهم أبراج المراقبة، ومواقع عسكرية أخرى في غلاف القطاع، قبل قرابة أسبوعين، على مشهد صاعق، وغير متوقع، يشبه أفلام هوليوود؛ وهو لمسلحين ملثمين، أدرك الإسرائيليون فيما بعد أنهم قادمون من غزة من البر والجو والبحر، يقتحمون المكان، ويقتلون ويأسرون عسكريين ومدنيين، ويسوقونهم إلى داخل غزة، ومنهم من بقي في المستوطنات، أعني المسلحين.

ولنتوقف عند نقطة تقول: لم يتحدث أي جانب، لا من حماس ولا من الإسرائيليين عنّ هؤلاء المسلحين، إسرائيل قالت إنها قامت بتصفيتهم أو أسرهم جميعاً، وقبل يومين قالت: إن العشرات منهم ما زالوا في الداخل الإسرائيلي. السيناريوهات التي لم يعلنها مباشرة الإسرائيليون أو حركة حماس، أن المهاجمين عطّلوا الرادارات، وقطعوا الاتصالات، وشوّشوا على كل ما يربط غلاف غزة بالداخل الإسرائيلي (تخطيط محكم).

ردة الفعل الإسرائيلية كانت باردة جداً (علامة استفهام). بعض المحللين ارتاب بالأمر، وظن بتواطؤ ما، لكي تنفذ إسرائيل أهدافاً كبيرة، منها اقتلاع حماس من الوجود (نظرية المؤامرة)، وبدأ الحديث عن «صفقة القرن» من جديد، خاصة مع دعوة جزء كبير من أهالي غزة إلى التوجه نحو سيناء، ما أثار حفيظة مصر. وبعض المحللين خفيفي الظل، قالوا: إن الإسرائيليين لا يقاتلون يوم السبت وينتظرون إلى ما بعد منتصفه، وهذا ما كان، وزاد إسرائيل ثقة، وقوف الولايات المتحدة بالكامل إلى جانبها.

من جانب آخر، استهجن محللون قيام بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني، والمستشار الألماني بزيارة إسرائيل (كأنها تتعرض لحرب إقليمية)، وأرسل بايدن حاملة الطائرات؛ لردع أي تدخل إقليمي، (إيراني- سوري- عراقي- مصري- لبناني). هي رسالة استراتيجية أمريكية. الرسالة المبهمة (فضيحة استراتيجية) هي حين قال بايدن: لو لم تكن إسرائيل موجودة، لخلقناها. (بعض الماكرين قالوا: إن بايدن يريد أن يخلق أنبياء).

استيقظت غزة على طائرات إسرائيلية تقصفها بعنف غير مسبوق، ما قيل إنها قواعد ومراكز عسكرية لحركة حماس، وتهديدات قادة إسرائيليين بالقضاء على الإرهاب كما قضوا على «داعش» (نحن لم نسمع أن إسرائيل قاتلت «داعش» في أي مكان...). إن هذا الوصف، أي انضمام إسرائيل إلى حلف محاربة الإرهاب، أخذ الصراع إلى سيناريوهات دموية مفتوحة، تليق بإرهابيين، حسب وصف القادة، وأخذ الانتقام طابعاً غير مسبوق حين أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أنه يحارب «حيوانات بشرية»، أي يمكن قتلهم كما تُقتل الحيوانات، بدم بارد، وهذا ما حصل، خاصة بعد استهداف مؤسسات مدنية كالمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس، وراح ضحيتها الآلاف من الضحايا، من بينهم 55 أسرة أبيدت بالكامل، والحبل على الجرار.

الجمهور العربي ابتهج كثيراً، ورفع علامات النصر في البداية، ثم خرج على استحياء في تظاهرات هنا وهناك، وحين حمي الوطيس، وأصبح الضحايا بالآلاف، والجرحى أكثر من عشرة آلاف، وتمت تسوية مساحات كاملة في غزة بالأرض، خرجت الجماهير تطالب حكوماتها بفتح الحدود، للمشاركة في النضال، وبعضها طالب جيوشها بالتدخل وقصف إسرائيل، وتوجهت جماهير نحو السفارات الأمريكية والفرنسية وحاصرتها، وألقت ألعاباً نارية عليها، ما أدى إلى تعرض بعضها لحرق جزئي، وتدمير محال في المحيط، وجزء من الجماهير يريد أن يزحف إلى الحدود، ولا يزالون في الشوارع. رد فعل الحكومات هو حماية السفارات، وإلقاء قنابل مسيلة للدموع على مواطنيها، حتى السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله قمعت المتظاهرين.

حزب الله والمنظمات الفلسطينية المسلحة في لبنان، بدأت بمناوشات منذ أيام، واستدرجت إسرائيل للرد العسكري، فسقط ضحايا من الجانبين، والخوف الآن هو اشتعال الجبهة الشمالية، وأن تتحول إلى حرب مفتوحة. عندها سنرى مشهداً شبيهاً بغزة، وقد تدخل أطراف إقليمية ميليشياوية.

المشهد كله لخصه أحد المعارضين لحركة فتح في مقابلة مع تلفزيونية عندما قال: لنفترض أن إسرائيل قضت على حماس، هل سيؤدي ذلك إلى إعطاء الفلسطينيين حقوقهم؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdd2skus

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"