عادي
حكاية شعبية من قلب «الفريج»

«أبد الدهر»... عودة إلى زمن الطيبين

19:34 مساء
قراءة 3 دقائق
مشهد من العرض
مشهد من العرض
تصوير:جون

دبي: علاء الدين محمود

تواصلت مساء أمس، الأربعاء، على خشبة مسرح ندوة الثقافة والعلوم في دبي، عروض وفعاليات الدورة ال14 من مهرجان دبي لمسرح الشباب، حيث ضرب الجمهور موعداً مختلفاً مع المشاهدة والمتعة مع عرض «أبد الدهر» لمسرح دبي الأهلي، تأليف وإخراج عبد الله المهيري، وتمثيل كوكبة من النجوم الشابة.

العرض يسافر بالجمهور إلى زمن الطيبين، حيث «الفرجان» قبيل الثورة العمرانية وحركة النمو والتطور والازدهار، إذ كانت الحياة بسيطة يسودها الترابط والمحبة بين الناس، غير أن هذه العودة لم تكن بدافع الحنين فقط إلى الماضي، إذ يقدم النص رؤية نقدية على بعض أشكال الحياة والممارسات الاجتماعية، فلئن سادت في ذلك الزمن روح طيبة بين البشر، فقد كانت هنالك سلطة تمارس هيمنتها على الجميع، وهي تلك المتمثلة في العادات والتقاليد، وإن كانت هناك جوانب إيجابية كثيرة في تلك القيم الاجتماعية، فإن النص يسلط الضوء على مواقع ومناطق مسكوت عنها، ويغوص عميقاً في تناول وتحليل وتفسير تلك الممارسات وكيف كان لها انعكاساتها على الأفراد والمجتمع، ويعيد العرض الاعتبار لبعض المهن التي عرفتها «الفرجان»، ويرد الظلم عن الذين مارسوها وبصورة خاصة النساء، إذ ينفتح العمل على شرائح وقع عليها التهميش.

* حكاية

العرض يفتح على حكاية جرت في أحد الفرجان، أي الأحياء القديمة، في زمن مضى، بطلتها امرأة تدعى مرايل، مات عنها زوجها مانع، في حادث غامض، وترك لها ابنة جميلة اسمها عويش، وابن آخر من أصحاب الهمم، يعاني متلازمة داون، وكان الحمل ثقيلاً على عاتق تلك المرأة، كيف لها أن تربي ابنيها بعد أن رحل السند والعائل، وكيف لها أن تواجه قسوة الحياة في مجتمع تقليدي إذا قررت الخروج للعمل، فلا شك أن عمل المرأة كان ينظر إليه بعين الريبة في ذلك الوقت، والتمرد على ذلك الواقع هو رفض لسلطة المجتمع، إذ لم يكن الناس ينظرون إلى مهنة الغناء، خاصة من قبل النساء، كفن، بقدر ما أنه أمر سيئ ومفارق للقيم، لكن مرايل تحسم أمرها وتعمل في مهنة تدر عائداً جيداً وهو مجال الغناء الشعبي «طقاقة»، فصارت تحمل اسم «مرايل الطقاقة» وطالتها ألسن الناس في مختلف المناسبات والتجمعات، حيث ظلوا ينسجون حولها الحكايات المختلقة رمياً بالباطل، فالمجتمع لا يرحم، غير أن مرايل كانت تمتلك شخصية قوية، فلم تهتم بما يقال عنها، بقدر ما كان همها الأول أن تعيل ولديها وتربيهما التربية الصحيحة والسليمة بحيث لا تسلمهم الحاجة إلى أحد.

والواقع أن عمل مرايل، لم يجد الاحتجاج من قبل الناس فقط، بل وحتى من قبل أقرب الناس إليها وهي ابنتها التي ظلت في جدال مستمر معها، وكانت مرايل في كل مرة توضح لعويش أن فراق والدها الذي كان يعمل في مهنة الغوص هو الذي قادها إلى هذا الطريق، إذ إن الأب كونه عاملاً بسيطاً، لم يحسب حساب هذا اليوم. ولأن عويش كانت بارعة الحسن والجمال، فقد كانت مرغوبة من الشباب، خاصة فهد، وشاب آخر هو ابن عمها، لكن قلب عويش كان يميل إلى فهد الذي جمعتها به قصة حب مرفوض من قبل والد فهد، وتستمر الحياة بتلك الأسرة حتى لحظة الوصول إلى منعطف كبير بموت مرايل، التي تركت أمام ابنتها حملاً ثقيلاً في الحياة.

* أسرار

كان موت مرايل مأساوياً خاصة لولدها المريض، فلئن كانت الناس تقابل مهنة مرايل بالكره، فقد كان هذا الابن يعيش في أغاني والدته التي صارت هي الحياة والملاذ بالنسبة له، فيما كان المجتمع يواصل حصاره بقسوة على الاثنين البنت والولد، وكان والد فهد يواصل رفضه القاطع لزواج ابنه من عويش، إلى أن زاره في إحدى الأمسيات شبح مرايل لتذكره بالماضي والسر الدفين، حيث تتكشف الحقائق، فقد كان أبو فهد يحب مرايل التي رفضته فقام بقتل زوجها مانع بإغراقه في البحر أثناء رحلة صيد، لتأتي نهاية القصة سعيدة بعض الشيء حيث تزوجت عويش من حبيبها، لينتصر الخير في النهاية.

العرض أعاد الاعتبار للطقاقة ومهنتها، وقدم إدانة لبعض الجوانب السلبية، وتصدى المخرج للنص بالعديد من الرؤى والمقاربات الإخراجية، حيث استعان ببعض اللمحات الكوميدية من أجل تمرير بعض العوالم الثقيلة، وعمل على صناعة صور ومشهديات نابضة بالحياة في ما قام بتوظيف ديكور بسيط من سعف النخيل من أجل محاكاة بيوت ومنازل تلك الحقبة الزمانية مستخدماً المساقط والبقع الضوئية، ووظف الموسيقى الشعبية، بحيث تخدم النص التراثي والفعل الدرامي، إضافة إلى الرقصات الأدائية، و قدم الممثلون عرضاً مميزاً من حيث الانضباط والتجسيد، وهو الأمر الذي تفاعل معه الجمهور كثيراً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5abxtdtn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"