عادي
قضية حساسة ومهمة أسقطها المخرج في بئر الملل

«صوت الحرية».. الرسالة وحدها لا تكفي

00:22 صباحا
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

الرسالة وحدها لا تكفي. هي الأساس نعم، وهي التي تبنى عليها ركائز كل القصص لتنطلق نحو صناعة أفلام سينمائية، لكنها لن تكون أبداً كافية لضمان نجاح أي عمل ما لم تستند إلى عمود فقري قوي، والمقصود به الحبكة والإخراج، وفيلم «صوت الحرية» أو «ساوند أوف فريدم» المعروض حاليا في الصالات، استند إلى قصة حقيقية، استقى منها رسالته وصاغ أحداثاً مشابهة إلى حد بعيد لما حصل في الواقع، لكنه لم ينجح في إبهار الجمهور ولا في تسجيل رقم إضافي في خانة أنجح الأفلام الدرامية الإنسانية العالمية والتي يمكنك مشاهدتها باستمتاع أو ربما أكثر من مرة.. بل يمكن القول إنك أمام فيلم أصغر من قضيته، لم يأت على مقاسها رغم امتداده لأكثر من ساعتين وتناوله جريمة حساسة جداً وكشفه كيف يتم بيع الأطفال والاتجار بهم.. أما الأسباب فهي بارزة ولا تحتاج إلى محللين لالتقاطها ولمسها لمس اليد، نسردها في السطور التالية.

أول ما يراهن عليه صناع الفيلم، أن القصة حقيقية، وهي الطعم الذي يجذب الجمهور فيضمنون إقباله على المشاهدة بفعل الفضول أولاً، فكل ما هو حقيقي يمس المشاعر مباشرة، ويدعونا لاكتشافه باعتباره حدثاً حياً يلعب في تفاصيله الخيال قليلاً فيهيئه ليصير صالحاً لاكتمال المشاهدة الدرامية والسينمائية، مع لمسات إضافية يتفنن في صناعتها المخرج، وإبداع يتألق فيه الممثلون في تجسيدهم الشخصيات الحقيقية؛ وهكذا اكتملت عناصر الجذب الأولى في فيلم «ساوند أوف فريدم»، عن قصة شديدة الحساسية والخطورة، تولاها المخرج أليخاندرو مونتيفيردي، الذي أوكل البطولة الرئيسية إلى النجم جيم كافيزيل المشهور بأدواره الإنسانية وملامحه التي توحي بالطيبة والقادرة على التأثير في المشاهدين. لكن المتعة لم تكتمل، فالقصة ورغم تناولها حقائق وبعض المشاهد الأرشيفية عن عمليات اختطاف الأطفال من بيوتهم وشوارعهم وفي وضح النهار وأمام أعين ذويهم وجيرانهم ورفاقهم وبيعهم والاعتداء جنسياً عليهم في أمريكا اللاتينية.. وكيفية ترحيلهم من الهندوراس وكولومبيا إلى الحدود الأمريكية المكسيكية، وما علاقة كاليفورنيا بالأمر.. إلا أن القصة التي كتبها مونتيفيردي بالشراكة مع رود بار، بتفاصيل السيناريو والحوار التي نراها على الشاشة بالكاد تنبض بالحياة؛ وهو أمر مؤسف، ليس فقط لأننا نشعر بأن المخرج خذلنا، وما يتم الترويج له عن الفيلم وبعض اللقطات منه يوحي بتشويقٍ عالٍ جداً ومطاردات وحس بوليسي وجاسوسية تكشف الأسرار.. إلا أن ما يقدمه أليخاندرو مونتيفردي هو فيلم بإيقاع بطيء جداً يقتل كل تشويق ويخمد نيران التفاعل لدى الجمهور، مشاهد يتخللها صمت طويل غير مفهوم ولا مبرر، يركز على نظرات البطل، «زوم إن» على عينيه لنرى لحظة سقوط دمعته، متجاهلاً مدى تأثير الكلمة والموقف والحدث نفسه بالجمهور، لذلك يبدو لك في كل موقف صعب، مدى اعتماد مونتيفيردي على الكاميرا وعدم ثقته بالنص والحوار.

أماكن الأحداث

من ناحية الصورة، فإن المخرج اختار التصوير في أماكن الأحداث الحقيقية في كل من قرطاجينية وإسلابورا وبوغوتا في كولومبيا وكاليكسيكو في كاليفورنيا، ويقال إن بعض الأطفال في الفيلم هم من الأبطال الحقيقيين لتلك الجرائم التي ارتكبت بحقهم، ورغم ذلك، سقط العمل في بئر الملل والفراغ ما يثير دهشتك، لأنك أمام حكايات مكتملة عناصر التشويق والرعب، عصابة تخطف أطفال، ترحلهم في بواخر الشحن ليتم بيعهم أو «تأجيرهم» لمرضى مهووسين يرغبون في ممارسة الجنس مع أطفال سواء كانوا فتياناً أم فتيات، وهو قصة بطل أمريكي يدعى تيم بالارد، عميل سابق بوزارة الأمن الداخلي في أمريكا، تمكن من إلقاء القبض على متحرشين بالأطفال ونجح في نحو 300 قضية من هذا النوع، حتى استلم قضية الطفلة روسيو أغيلار وشقيقها ميغيل، اللذين ينطلق الفيلم من عملية اختطافهما ويتابع تفاصيل استلام تيم القضية وإصراره على إعادتهما إلى والدهما، رغم كل العراقيل والصعوبات التي يواجهها، واضطراره إلى الاستقالة من عمله قبل أشهر قليلة من تقاعده.

ينطلق الفيلم من مشهد عام لأحد الأحياء، ويدخل عبر تكبير العدسة إلى قلب المبنى، ثم قلب الغرفة، على وقع أغنية «صوت الحرية، تدندنها فتاة وتعزف لها بواسطة نعليها، نحن في الهندوراس، حيث تأتي سيدة حسناء تدعى جيزيل تسأل عن روسيو صاحبة الموهبة الفذة والصوت الجميل، تقول لوالدها إنهم يبحثون عن المواهب الصغيرة والمميزة لبرنامج تلفزيوني، وحين ترى شقيقها الأصغر سناً ميغيل، تقنع الأب بإرسالهما إلى عنوان محدد حيث ستكون بانتظارهما لإجراء الاختبار، يأخذ الأب طفليه ويسلمهما إلى جيزيل التي تطلب منه أن يعود بعد ساعتين لاصطحابهما، لكنه يعود ليجد المكان خالياً ولا أثر لجيزيل ولكل الأطفال الذين كانوا داخل الصالة أو الغرفة.

الجوانب الإنسانية

تفاصيل القصة مشوقة ومؤثرة، لكن الفيلم للأسف لا يواصل معنا كل جوانبها الإنسانية حتى الآخر، وكأنه يلمّع صورة البطل تيم بالارد حتى أنه يبدو أكثر تأثراً باختطاف الأطفال من والد روسيو وميغيل، الذي نراه في لقطات عابرة ولا نلمس عمق تأثره لا بكلامه ولا تصرفاته، كما لم يمنحه المخرج مساحة كافية كي نرى ردود أفعاله، ماذا يفعل؟ كيف أمضى تلك الفترة بعد اختطاف ولديه؟ بل ركز المخرج على إظهار مشاعر وتعاطف وتأثر كاثرين زوجة تيم وكأنها والدة الطفلين طبعاً هو يريد كسب تعاطفنا مع تيم لذلك يبينه وزوجته وعائلته كنموذج إنساني مميز جداً.

مراحل عدة يمر بها تيم كي يتمكن من الوصول إلى هدفه بلا يأس، وكما قلنا، توقعنا أن يكمل المخرج الرحلة مع هؤلاء الأطفال لنرى مصيرهم وماذا حل بهم بعد العودة من هذه التجربة المرة والمرعبة، لكنه ينتهي عند تحرير تيم الطفلة روسيو وعودتها إلى منزلها، ثم نرى صوراً ومقاطع أرشيفية للبطل الحقيقي تيم وأسرته ومثوله أمام المحكمة وشهادته والإنجاز الذي حققه.. يفلت خيط مهم جداً من يدي المخرج، وهو مصير هؤلاء الأطفال، والخطأ الكبير الذي ارتكبه أنه صورهم وهم سعداء بعد تحريرهم، واستعاد ميغيل أغيلار حياته مع أبيه وكأنه كان تائهاً فقط وعاد إلى بيته وحضن والده دون أي آثار جانبية تركت بصمتها على نفسيته ومسار حياته، كذلك عادت روسيو بعد كل ما تعرضت له من اعتداء وحشي وعنف وذعر لتجلس على نفس السرير، في نفس المنزل، وتغني أغنيتها«صوت الحرية» وهي تعزف لحنها تماماً كمشهد البداية، إنما بتصوير معكوس، هذه المرة ينطلق المخرج بعدسة كاميرته«زوم آوت»من الفتاة داخل البيت إلى الخارج فتبدو خلف النافذة ثم خلف الجدران والبيوت.

تألق وأحداث

النجم جيم كافيزيل يؤدي دور تيم أو كما ينادونه تيموتيو اللطيف والجاد في آن، يحمل الفيلم على عاتقه، لكن تتألق معه أيضاً الطفلة الممثلة الكولومبية كريستال أباريسيو (مواليد ٢٠٠٦) التي أدت دور الطفلة روسيو، التي ينطلق منها الفيلم في أول مشهد، ويختتم أحداثه بها؛ بجانب الممثلين الكبار ميرا سورفينو بدور كاثرين زوجة تيم، وبيل كامب (فامبيرو)، خافيير جودينو (خورخي)، لوكاس أفيلا (ميغيل)، يسيكا بوروتو بيريمان (كاتي وجيزيل)، ماني بيريز (فويجو)، إدواردو فيراستيجي (بابلو)..

[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/49dhub3a

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"