تحقيق: أمير السني
تعيش الأسرة داخل المنزل محاطة بأجهزة إلكترونية باتت جزء لا يتجزأ من حياتها اليومية، خصوصًا أن الأجهزة اللوحية والمحمولة يسرت التواصل مع الآخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى إنجاز العديد من المعاملات والأنشطة اليومية، لكن بالنظر إلى الوجه الآخر لهذه الأجهزة، فإنها تسبب بعض الأعراض المرضية لمستخدميها دون أن يشعروا بها، وهو ما حذر منه أطباء واختصاصيون لافتين إلى أن هذه الأجهزة تؤدي إلى مخاطر، وهو ما كشفوا عنه في هذا التالي، ودعوا إلى ضرورة أن تعيش الأسرة في جو صحي من خلال عدد من الخطوات سردناها في السطور التالية.
تقول د. منال الفحام أخصائية الأمراض العصبية، إن الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة والكمبيوتر المحمول والأجهزة اللوحية، دخلت حياة البشر بمجال لا رجعة فيه، وبرغم أنها أجهزة مفيدة تساعد على تسهيل وتسريع الأعمال، لكن كما لكل عملة وجهان، فإن هذه الأجهزة لها وجهها الضار، تحتم على من يستخدمها أن يبحث ويتحرى عن الاستخدام الصحيح وغير المؤذي، لأنها تعرضه لمشاكل صحية، سواء بسبب وضعية الجلوس لمدة طويلة، أو التركيز المتواصل في أضواء وكلمات وأشكال متحركة بترددات مختلفة تؤثر على العينين والجهاز العصبي.
وتضيف أن الجلوس المفرط على هذه الأجهزة والنظر إليها والاستماع إلى الأصوات، يسبب أنواع متعددة من الصداع، خاصة الصداع النصفي، كما أنه قد يسبب إثارة الاضطراب الكهربائي لدى المصابين بالصرع، ولهذه الفئة بالذات تعليمات ينبغي مراعاتها.
اضطرابات النوم
توضح د. منال الفحام أن استخدام هذه الأجهزة حتى ساعات متأخرة يؤدي إلى اضطرابات النوم، لأن الإشعاع الذي يتجه منها إلى شبكية العين قد يوحي للدماغ بأن الشمس ما تزال ساطعة وإننا في ساعات النهار، بما يهدد بتأثير سلبي على الجهاز العصبي، وبالتالي سيحصل انقلاب ما بين الليل والنهار، أما فيما يتعلق بوضعية الجلوس الطويلة فإن انحناء العنق للأمام والنظر إلى الأسفل لساعات طويلة، يساهم في ظهور أمراض العمود الفقري والاعتلالات العصبية في الرقبة وآلام الكتف في الجهتين، لذا انتشر في هذا العصر مشاكل العمود الفقري وخشونة الفقرات وتنكس في الغضاريف بين الشباب والفتيات والصغار، وتتحول إلى انزلاق غضروفي في عمر مبكر.
ولفتت إلى أن هناك الكثير من الشباب يعانون من تيبس في عضلات الرقبة، كما يمكن أن يؤثر الجلوس الخاطئ على أسفل الظهر وعضلات الساقين، ما يتطلب الانتباه إلى الوضعية الصحيحة للجلوس، وإلى الزاوية القائمة ما بين العنق والذراع والطاولة التي يجلس إليها المستخدم من جهة، وبين الكرسي والأرض والزاوية القائمة بين الفخذ والساق أثناء الجلوس.
فرط الاستخدام
تنصح د. منال بضرورة تقطيع ساعات العمل على هذه الأجهزة والحرص على الحركة وتغيير الوضعية كل ساعة، والإكثار من شرب الماء والذهاب إلى دورة المياه كنوع من الاستراحة، لأن الجفاف يزيد في المشكلة العضلية والعصبية معا.
وأوصت بضرورة اتخاذ وضعية الجلوس الصحيحة، مثل ارتفاع الكرسي والمكتب المناسب حسب طول ووزن المستخدم، والانتباه إلى نقاط ارتكاز المعصم والمرفق، وأن تكون مستندة على أسطح مرنة وطرية، وأن تكون القدمان مرتكزتان على الأرض، إضافة إلى ضرورة استخدام الغطاء الواقي على شاشة الحاسوب، كونه يخفف من أضرار الأشعة على العينين، وارتداء النظارات الطبية في حال أوصى الطبيب بها، ومراجعة الطبيب المختص بالأمراض العصبية لدى حدوث أي صداع أو دوار أو تشوش في الرؤية أو خدران في اليد أو آلام في العنق أو الظهر بشكل مبكر.
سلاح ذو حدين
تشير د. مروة إسماعيل أخصائية طب الأسرة، إلى أن الأجهزة الإلكترونية هي عبارة عن أجهزة تتميز بسهولة الاستخدام وتتميز بالدقة والذكاء الاصطناعي، ونعتبر هذه الأجهزة سلاحًا ذو حدين، وبالنسبة للمخاطر التي تنتج عن استخدامها خصوصًا عند الجلوس لفترات طويلة، هي الآلام الكتف والرقبة، وهذا ينتج عن تصلب العضلات بسبب الوضعيات التي يكون بها الشخص عند استخدام هذه الأجهزة، والتشنجات وحركات لا إرادية.
وتوضح أن الضرر الآخر هي آلام العيون بسبب التركيز المتواصل عند نقطة معينة، ما يؤدي إلى إجهاد عضلات العين، والإضاءة المنبعثة من هذه الأجهزة والتي تؤدي إلى جفاف العين، ومن الأضرار أيضًا اضطرابات النوم، بسبب التعرض القوي للأشعة بصور متواصلة مما يؤثر على هرمون الميناتونين، والذي يعتبر مهمًا جدًا لتنظيم النوم، ويسبب التعرض المتواصل لهذه الأجهزة إلى اضطراب هذا الهرمون، لذلك ننصح دائمًا من لديهم اضطراب في النوم أن يبعدوا الأجهزة الكهربائية عنهم ويتحاشوا استخدامها.
وتلفت إلى المخاطر العقلية التي تعد من الأخطار المهمة، وهي مثل التأثر على قدرة الشخص، كالاستيعاب والتركيز وعلى المدى الطويل الذي يؤثر على الذاكرة، مثل الأطفال الذين يستخدمون هذه الأجهزة قد تجيد لديهم بعض التشتت، وكذلك اضطرابات التعلم لدى الأطفال، حيث يكون لديهم صعوبة في التعلم والحفظ والتركيز، أي الكسل العقلي، إضافة إلى الإدمان، حيث تشعر دائما أنك بحاجة لفتح هذه الأجهزة ومشاهدتها أو الاطلاع على آخر الأخبار، كما ينتج الاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية اكتساب عادات وثقافات لا نريدها لأطفالنا، ولا تناسب مجتمعنا المحافظ.
طريقة مثلى
تنوه د. مروة إسماعيل إلى ضرورة تنظيم وقت الجلوس على هذه الأجهزة، فمثلا الأعمار الصغيرة لا يسمح بإعطائها هذه الأجهزة حتى بلوغ سن الثلاث سنوات، وكبار السن مثلا ساعتين على الأكثر يوميًا وفي أوقات مختلفة، ووضع رقابة على هذه الأجهزة وتنظيم ما يشاهده الأطفال، وتجنب مشاهدة الأجهزة الكهربائية قبل النوم، وممارسة الرياضة وبالتالي نشغل أنفسنا بشيء نافع بدلًا من الجلوس على هذه الأجهزة، وقراءة الكتب والاطلاع عليها دائما بدل البحث عن المعلومات في الأجهزة الكهربائية.
أعراض نفسية
تؤكد د. ندى عمر استشارية الطب النفسي، أن هناك حالات نفسية ترتبط بالاستخدام المفرط للأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، ويعرف هذا النوع من الحالات بأسماء مختلفة، مثل اضطراب الاستخدام المفرط للإنترنت أو الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي أو القلق الاجتماعي الافتراضي.
وتظهر أعراض مشابهة للأعراض النفسية الأخرى في هذه الحالات، مثل القلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية والتوتر، وتدهور الأداء الأكاديمي أو العمل، وانخفاض الاهتمام بالأنشطة الاجتماعية والهوايات السابقة.
وتعتبر هذه الحالات مشكلة متزايدة في العصر الحديث، حيث يعتمد الكثير من الأشخاص على الأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي في حياتهم اليومية، وتعزى هذه الحالات إلى عوامل متعددة مثل التأثير الاجتماعي والثقافي، والتوافر السهل للأجهزة الإلكترونية، والحاجة إلى الانتماء الاجتماعي والمقارنة الاجتماعية.
وتنصح بأنه إذا كنت تشعر بأن استخدامك للأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي يؤثر سلب على صحتك النفسية وحياتك اليومية، فقد تكون من الجدير بك التحدث إلى متخصص في الصحة النفسية للحصول على المساعدة والدعم المناسبين، يمكن أن يساعدك المختص في تطوير استراتيجية مناسبة للتخلص من إدمان هذه الأجهزة.
انفجارات اجتماعية
يوضح عبد الرحمن عبد الله البستكي، الإعلامي والاخصائي الاجتماعي، أن الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف واللوحات والشاشات المرئية، تمكن التواصل الاجتماعي من التواصل عبر الزمان والمكان، حيث يمكن للأفراد التواصل مع أصدقائهم وعائلاتهم بسهولة، وتبادل الأخبار والصور والفيديوهات، ومع ذلك، قد يؤدي هذا الاتصال الدائم إلى انعزال اجتماعي حقيقي حيث يقضي الأفراد وقتا أقل في التفاعل الوجه لوجه، كما يمكن أن تتأثر العلاقات الشخصية بسبب انشغال الأفراد بالأجهزة الإلكترونية. قد يحدث تشتت الانتباه أثناء التفاعلات الاجتماعية ويمكن أن يفقد الأفراد القدرة على التواصل الفعال والاستماع الجيد.
ويشير إلى أن الأجهزة الإلكترونية تسهم في تغيير العادات والثقافات، مثلا، تأثرت طرق الترفيه بسبب التكنولوجيا، حيث أصبح مشاهدة الأفلام والبرامج التلفزيونية والقراءة والاستماع إلى الموسيقى تجارب رقمية، وتقدم الأجهزة الإلكترونية وسائل متعددة للتعلم والحصول على المعرفة، مثل المواد التعليمية عبر الإنترنت وتطبيقات التعليم، هذا يمكن أن يسهم في توسيع دائرة المعرفة للأفراد، لكنه قد يؤدي أيضا إلى تحديات مثل انعدام التركيز والإدمان على الشاشات.
ويضيف البستكي أن الأجهزة الإلكترونية تثير قضايا متعلقة بالخصوصية والأمان، فقد تكون البيانات الشخصية عرضة للتجسس أو الاختراق، ما يؤثر على الثقة في استخدام هذه الأجهزة، وقد يؤدي الاستخدام المفرط إلى مشاكل صحية نفسية مثل القلق والاكتئاب، وذلك نتيجة للضغط الاجتماعي والتواصل الرقمي المستمر، وبسبب الاستخدام المفرط لتلك الأجهزة يحدث تغيير في نمط الحياة، من خلال تغيير معايير الوقت والإنتاجية والترفيه، وبشكل عام، تلعب الأجهزة الإلكترونية دورًا حيويًا في شكل الحياة الاجتماعية الحديثة، ومع ذلك، يجب التوازن بين استخدامها بطرق إيجابية تعزز التواصل الحقيقي والعلاقات الشخصية، وتجنب التأثيرات السلبية المحتملة.
انعزال اجتماعي
يقول التربوي عبيد علي، إن تأثير الأجهزة الإلكترونية على التربية هو موضوع مهم ومعقد يثير الكثير من التساؤلات والنقاشات، حيث استخدام الأجهزة الإلكترونية في التربية مزيجًا من الفوائد والتحديات، وقد يكون له تأثير مباشر وغير مباشر على العملية التعليمية والتعلم.
ويوضح استخدام الأجهزة الإلكترونية المفرط قد يؤدي إلى انعزال اجتماعي، حيث يمكن للأفراد قضاء وقت طويل على الشاشات دون التفاعل مع الآخرين، كما أن الاستخدام المفرط للأجهزة إلى إلى تشتت الانتباه وتقليل القدرة على التركيز في المهام الأخرى، واستنزاف الكثير من الوقت الذي يمكن أن يخصص لأنشطة أخرى مفيدة مثل التفاعل الاجتماعي وممارسة النشاطات البدنية.
كما يؤثر استخدام هذه الأجهزة قبل النوم على جودة النوم وصحة العقلية، نظرا لتأثير الإضاءة الزرقاء والمحتوى المحفز على الدماغ. فوائد تعليمية
ويبين السماحي أن الأجهزة الإلكترونية تقدم وسائل تعليمية متنوعة ومتاحة بسهولة، مثل تطبيقات تعليمية ومواقع ويب مفيدة، مما يساهم في تعزيز مهارات مختلفة بطرق مبتكرة إذ يمكن للأفراد استخدامها للبحث واكتشاف المعرفة بشكل مستقل، مما يعزز من قدرتهم على حل المشكلات واتخاذ قرارات مستنيرة، كما أن الاستخدام النشط والإبداعي للأجهزة الإلكترونية يساعد في تطوير مهارات تقنية مهمة في العصر الحديث، وهي توفر وصولا سهلا إلى مصادر معرفية متعددة من مختلف المجالات، مما يسهم في توسيع دائرة معرفة الفرد.
وبشكل عام، يتوجب على الوالدين والمربين التوازن بين استخدام الأجهزة الإلكترونية والأنشطة الأخرى.
ضرورة التوازن بين التكنولوجيا والصحة
يرى عبد الرحمن البستكي، ضرورة تحديد وقت لاستخدام وسائل التكنولوجيا يوميا، من خلال استخدام تطبيقات التنبيه أو المؤقت للمساعدة في الامتثال لهذه الحدود، وتحديد فترات من الزمن خالية من استخدام الأجهزة الإلكترونية، مثل الوجبات أو وقت النوم، وهذا يمكن أن يساعد على تحسين الارتباطات الاجتماعية والعائلية، ومنح وقت للشخص لممارسة أنشطة متنوعة بدلًا من الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية، مثل ممارسة الرياضة، والقراءة، والرسم، والطهي، وممارسة الهوايات الأخرى.
كما يجب على أفراد الأسرة التعاون من أجل تحديد الأهداف اليومية والأسبوعية والعمل على تحقيقها، لأن هذا يساعد في توجيه الانتباه والوقت نحو أشياء تعزز من الشعور بالإنجاز والرضا، وهناك تطبيقات تساعد على تقييد استخدام الجهاز أو تقديم تقارير حول الوقت المستهلك على وسائل التكنولوجيا، ويجب تخصيص وقت للتفاعل مع الأصدقاء والعائلة والمشاركة في أنشطة اجتماعية في الواقع، وتعلم تقنيات الاسترخاء والتأمل يمكن أن يساعد على التحكم في الاستجابة للتوتر والرغبة في استخدام الأجهزة.