الصين وروسيا وقضية فلسطين

00:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

عند العودة إلى تاريخية الأزمات الحادثة في منطقتنا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، سنجد أن المواقف الروسية الصينية، وهما قوتان عظميان، لا تؤثر في المشهد السياسي الدولي بالكيفية التي تمنع الأذى عن العرب، وإن كان العرب أنفسهم لا يقومون بالدور الذي يمكن أن يقيهم شرّ الأزمات، رغم كل أوراق القوة التي يمتلكونها.

إن ما دفعنا للحديث عن هذا الموضوع هو بالتأكيد ما يحدث في فلسطين، وفي قطاع غزة على وجه التحديد، فالقضية الفلسطينية واكبت كل التحولات التاريخية التي شهدها العالم، فهي أقدم من الثورة الصينية، وهي في صورة أخرى إحدى نتائج الحرب العالمية الثانية، وهذه القضية كانت موجودة زمن قوة الاتحاد السوفييتي وبعد انهياره وأثناء عودة الدب الروسي للصعود إلى قمة السياسة الدولية، ومع هذا فالمواقف الصينية الروسية من قضية فلسطين لم تتجاوز عملياً قاعدة «تلك حدودنا»، وهي قاعدة العاجزين عن التأثير العملي والحقيقي في مسار الأحداث.

فلو نظرنا إلى الشق الآخر من القضية، وهو الشقّ الغربي، سنجده فعل كل ما يريد، انطلاقاً من وعد بلفور إلى الانتداب البريطاني على فلسطين، وتم هذا بمباركة من الولايات المتحدة وبمعرفة الاتحاد السوفييتي، ثم ساهم الغرب بشكل عملي تمويلاً وتسليحاً وإدارة للحروب ودبلوماسياً من خلال التصدي لأي مشروع قانون يدين الاحتلال في فلسطين. ولم يكن باستطاعة القوتين العظميين، أي روسيا والصين، فعل أي شيء من أجل إنصاف الشعب الوحيد الذي ما زال يرزح تحت الاحتلال.

لقد شاركت أوروبا وأمريكا في إنشاء دولة الاحتلال ودعمها في حرب 1948، ثم في حرب 1956، ثم في حرب 1967، وفي حرب 1973، وفي حرب لبنان 1982، ونهض الغرب بتدمير دول عربية مثل العراق وسوريا وليبيا، وفي كل هذه المحطات التاريخية المفصلية التي لها علاقة وثيقة بقضية فلسطين لم تكن المواقف الروسية الصينية قوية بالشكل الذي يمكن أن تكون رادعة فعلياً للصلف الغربي. بل إنه في بعض المحطات التاريخية كان الاتحاد السوفييتي يقف إلى جانب دولة الاحتلال سراً وعلانية. والحالة الوحيدة التي تدخلت فيها روسيا بقوتها العسكرية هي الأزمة السورية المستمرة منذ عام 2011، وكان التدخل لحساب المصالح الروسية أكثر منه لحساب سوريا ومصلحة شعبها.

ومن هنا يمكننا القول إن الحديث عن عالم جديد فيه توازنات دولية تضمن العدالة والمساواة بين الشعوب، وتضمن حق الشعوب في تقرير مصيرها، إنما هو رهان قد لا يكون في محله، لأن التوازنات الدولية الحقيقية والعملية لا تعترف إلا بمنطق الأقوى، فكما أن التاريخ يكتبه المنتصرون، فإنّ الحاضر يسيّره الأقوياء لا الضعفاء والمستقبل أيضاً يرسمه المنتصرون لا المهزومون.

إن الناظر في مواقف القوتين العظميين، أي روسيا والصين، يجدها لا تتعدى الإدانة والمطالبة بالتهدئة والحديث عن الجهود الدبلوماسية، وهي كلها مواقف «باردة» في صراع ساخن جداً. ففيم يختلف الموقف الروسي «البارد» من أحداث غزة عن الموقف الأمريكي المشارك في الحدث عندما يصرّح الكرملين بأنه «من المهم جداً أن تكون هناك هدن إنسانية في غزة والوضع الإنساني هناك كارثي»؟ أليس هذا هو ذاته منطوق بايدن الذي يقول إنه من «الضروري بحث مسألة الهدنة»؟

الصراع الحالي أسقط الكثير من الأوهام في ما يتعلق بالعلاقات الدولية وبموقع الإنسان العربي فيها، صحيح أن المشهد اليوم يتصدره أهل غزة، ولكن قبلها كان أطفال سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3dwc4ujy

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"