التكنولوجيا والحقّ الفلسطيني

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

كمال بالهادي

إن كان من فضل للحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ نحو خمسين يوماً؛ فهو قدرة التكنولوجيا على نصرة الحق وإظهاره على الرغم من كلّ العراقيل والهجمات الإعلامية الغربية التي لم تستطع الصمود أمام قوة الحق المدعوم تكنولوجياً.

بدأت الحرب على غزة بجملة أكاذيب، تلقفتها الآلة الإعلامية الغربية، وروجت لها؛ بهدف التأثير في الرأي العام الغربي والإسرائيلي من أجل دعم الحرب، وهنا نستذكر قول وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد عندما كانت حكومته تستعد لشن حرب احتلال العراق، وعندما اعترف بأنه جهّز إدارة كاملة ل«صناعة الكذب» وللدعاية ضد العراق، ونستذكر جلسة مجلس الأمن الشهيرة التي رفع فيها كولن باول صورة قنينة صغيرة، قال حينها، إنها دليل على وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، واعترف بعدها أنّه تعرض لمغالطة، ولم تستطع أمريكا إيجاد الأسلحة التي بررت بها احتلال بلد، وتدميره، وارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية فيه. لكن وقتها لم تكن ثورة معلوماتية وتكنولوجية؛ بل اقتصر الأمر على الفضائيات الغربية أما في حالة العدوان على غزة، فإن الرواية الإسرائيلية والغربية عمّا حدث منذ البداية سقطت سريعاً، فمشهد صورة الأطفال مقطوعي الرؤوس التي تم الترويج لها في الأيام الأولى سريعاً ما تبرّأ منها الجميع، بمن في ذلك الرئيس بايدن وإدارته، وفي المقابل انتصرت صور الأطفال الفلسطينيين الذين استشهدوا، وغزت صورهم كل المنازل في العالم، ولم يستطع الإسرائيليون أن يحجبوا حجم هذه الفظائع، فانتصر الحق على كل محاولات الطمس والتوجيه من الآلة الإعلامية الغربية الموجّهة والتي تعمل لحساب إسرائيل.

واستطاعت التكنولوجيا أن تنتصر للحق الفلسطيني، وأن تغيّر آراء الشعوب التي اكتشفت حجم الظلم المسلط على هذا الشعب ليس منذ السابع من أكتوبر؛ بل منذ 75 سنة كاملة، وهنا لا بدّ من تأكيد ظهور أصوات قوية في مختلف أنحاء العالم، تطالب بإعادة قراءة الحدث الفلسطيني منذ بدايته من أجل إنتاج قراءة جديدة ومنصفة وعادلة، وتأكيداً لحق الفلسطيني في حياة آمنة ومستقرة ومزدهرة مثله مثل بقية شعوب العالم. وإنّ المهم في ما يحدث الآن هو هذه القدرة الكبرى للتكنولوجيا على التأثير في الرأي العام. وليست ردود الفعل الشعبية الدولية إلاّ حالة من حالات الانتفاضة الإنسانية العارمة ضدّ كل الخطوط الحمر والسياجات التي أرادت صورة الإعلام التقليدي أن تسجنه فيها. ولنا أن نقول إنّ الشعب الفلسطيني الباحث عن الحريّة هو في الحقيقة من حرّر شعوب العالم من التضليل الإعلامي ومن حبائل غرف الاستخبارات ومن ترهل الخطاب السياسي الدولي. لقد عجزت الأمم المتحدة، وعجزت المنظمات الإقليمية والدولية على أن تكون ذات فاعلية في القضية الفلسطينية.

لقد ظهر الحق وزهق الباطل، هكذا تخبرنا ثقافتنا العربية الإسلامية، وهكذا يظهر الحقّ ناصعاً على الرغم من قتامة المشهد الدموي في غزة والضفة. ويكفي أن نرى أصواتاً لسياسيين وعلماء وقادة كبار من كل أنحاء العالم يتحدون حول حق الشعب الفلسطيني في دولة كاملة السيادة على أرضه، ويقفون ضدّ دعاية أصحاب الهيكل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yjsbw86z

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"