خصائص النمو مع الحربين

22:10 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

مع حربي أوكرانيا وغزة والتقلبات السياسية الكبيرة، ستبقى التوقعات التضخمية قوية ما يعني أن استعمال الوسائل التقنية الحالية من فوائد وسياسات نقدية ومالية سيبقى ضرورياً لتجنب الأسوأ. هنالك مجموعة قليلة من القيادات العالمية تقرر كل شيء ليس فقط في السياسة وإنما أيضاً في الاقتصاد. لا شك أن التقدم التكنولوجي وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لأكثرية الدول لم ينجحا بعد في تخفيف الظلم والفقر والتشنجات الاجتماعية وفي تعميم العدالة على المستويين العالمي والإقليمي. في كل الدول هنالك مجموعة قليلة من المواطنين تسيطر على السياسة والاقتصاد، وبين الدول هنالك عدد قليل منها يسير الأكثرية ويدفعها في اتجاهات تناسبها.

تأثير الحرب الأوكرانية سيكون كبيراً ومزمناً للدولتين المرتبطتين مباشرة بها. الخسائر في أوكرانيا ضخمة ولا بد من الاستثمار مباشرة في كل شيء للعودة إلى الحياة الطبيعية. لا بد للأموال من أن تؤمن عبر المساعدات والقروض لأن الشعب الراغب في الحياة غير قادر عملياً على تأمين العودة السليمة إلى الحياة الطبيعية. أما في روسيا، فالخسائر المباشرة أقل، لكن الدولة تحتاج هي أيضاً إلى إعادة بناء اقتصادها وتطويره كي تلحق بالعالم أجمع خاصة في التكنولوجيا والعلوم. الحروب تفرض أحياناً على المشاركين فيها من قبل آخرين أو من قبل واقع يكون ظالماً ومقفلاً.

أما تأثير حرب غزة، فسيكون كبيراً ليس فقط في الأطراف المشاركة وإنما أيضاً في كل دول المنطقة حتى شمال إفريقيا. كيفما انتهت هذه الحرب، ومن المرجح أن لا تبنى على حلول نهائية دائمة؛ بل على وقف مؤقت للصراع، ستتأثر اقتصادات المنطقة كثيراً بها. سنعاني أكثر من شح الاستثمارات النوعية ومن ضعف الزيارات وربما من انهيار القطاع السياحي الذي بدأ يتطور وينمو أكثر من أي منطقة أخرى. دول المنطقة الغنية تستطيع أن تمول نفسها وتنجح، أما الدول الأخرى فستحتاج إلى مساعدة الغنية وربما أيضاً إلى التمويل الدولي من الصندوق والبنك الدوليين. لا تظهر الوقائع أن المنطقة قادمة إلى استقرار مزمن مع تعدد الجبهات السياسية والعسكرية، وبالتالي الحلول السياسية مؤجلة.

سياسات التنويع الإنتاجي التي تقوم بها دول مجلس التعاون الخليجي هي صحيحة وتتقدم ضمن مختلف البرامج الوطنية والخطط المستقبلية. الدول العربية الأخرى في معظمها متعثرة إدارياً ومالياً وتحتاج إلى المساعدة الإقليمية والدولية. هجرة العائلات غير الشرعية إلى أوروبا تبقى في مقدم تحديات المنطقة علماً بأنها نتيجة للإهمال الداخلي في تأمين أبسط مقومات الحياة. تتوقف الهجرة عندما يحصل المواطن على الحد الأدنى من حقوقه. منطقتنا ليست الوحيدة التي تعاني هجرة أبنائها، فهنالك مناطق أخرى تعاني في أمريكا الوسطى واللاتينية كما في إفريقيا وحتى أجزاء من آسيا. لا يمكن للحلول أن تكون مجزأة، فإما أن تكون حلولاً معقولة لكل شيء أو يبقى النزيف قائماً دون إمكانية توقيفه. تحديات المنطقة العربية عموماً تزداد في وقت تضعف خلاله الإمكانات الإدارية والأمنية والمالية.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/582t94rc

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"