محمد البريكي
تنهض الدول بالعلم والمعرفة والعقول التي تملأ مساحات الأيام بابتكاراتها وأفكارها، ويخلّد التاريخ الأمم بما لديها من إرث ثقافيّ ومعرفيّ وأصالة. وقد أسست دولة الإمارات نهضتها على هذا الإيمان، فسخّرت له الطاقات التي تدير الإرادة، وكان قادة الدولة وشيوخ الإمارات في الصفوف الأولى التي مدّت للعلم أياديها السخية مطراً لا ينقطع، فكانوا قدوة تشجّع على الحرث والنسل الثقافي، فتشظّى هذا الدعم واتّسعت مساحات العطاء فيه، ما أنتج تراكماً كبيراً وإشعاعاً أضاء مساحات الوطن، ليمتدّ هذا الضوء ويعبر خبره الآفاق؛ فالبرامج الثقافية منذ أن وحّد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، هذه الدولة تتبارك وتتبارى وتتنافس؛ فقد أصبحت الثقافة أميرة مجللة، وجميلة مدللة، وعاشت الثقافة والأدب والشعر عصراً ذهبيّاً لا يزال يعطي الخير الوفير لأهله ومبدعيه في كل مكان.
وإذا توقفنا عند إمارة الشارقة، فسنجد أنها أصبحت على يد صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، قبلة للمبدعين، ومناخاً محفّزاً للخلق والابتكار للمثقفين، وأصبحت مهوى الأفئدة، وملاذ الأحاسيس الحالمة، وطموح الراغبين بالتحليق في سماوات الإبداع؛ ففتحت منابرها المختلفة عبر مؤسساتها المختلفة.
وإذا تحدثنا عن المؤسسات الثقافية الشخصية، فسنجد أنه بحكم هذا الاهتمام والتشجيع والدعم من الدولة، أنتج همة عالية من شخصيات أحبت الثقافة، فقامت بالعمل على تأسيس مشاريع إبداعية، عبر مؤسسات خاصة، أسهمت في اتّساع رقعة العطاء، وانتشار مساحة النور؛ ولعل مبادرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونيسكو» باعتماد 2025 عاماً للاحتفال بمئوية الشاعر الإماراتي سلطان بن علي العويس، الذي ولد عام 1925، هو تثمين لما قام به هذا الشاعر من جهود، وما قدمه من عطاء، وهو يمنح دلالة واضحة على أثر الثقافة في العالم، وأنها هي التي تمنح الأمم هُويّتها، وتحافظ على حضارتها ورسوخها في الزمان، فالثقافة شجرة أصلها ثابت في الوجدان والزمان والمكان، لأنها التربة الصالحة التي تنتج شكراً مثمراً وعطاءً لا ينتهي.