من حضر مسرحية «مجلس الحيرة»، لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، سيخرج منها مشحوناً بالمشاعر الإنسانية، والقضايا الوجدانية، فهي لم تعرض في الدورة ال 20 من مهرجان الشارقة للشعر العربي إلا وفق رؤية حكيمة وثاقبة من سموه، وهي تقدير كبير من سموه للشعر العربي والشعراء الذين يلتحمون باللغة ويجلّونها، وقد ركّزت مشاهد «مجلس الحيرة» على قضايا الشعر في مجلس الملك النعمان بن المنذر، ومنها تنبثق الخصال العربية من شهامة وعزة وأنفة، وهو ما جسده دور الشاعر عمرو بن كلثوم مع الملك عمرو بن هند ملك الحيرة، وكيف أن عمرو بن كلثوم لم ينم على الذل والضيم، متّخذاً من هذا الحدث فرصة لكتابة نص شعري ومعلقة فائقة خالدة سرد فيها مآثر عربية وخصالاً حافظ عليها العربي واتخذها منهج حياة:
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْواً
وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَا
وما جسّدته قصة الشاعرين المنخّل اليشكري والنابغة الذبياني مع الملك النعمان بن المنذر، ودلالاتها المتعددة؛ إذْ سلّطت الضوء على أثر الغيرة لدى البعض، والتي تصل إلى تشويه صورة الآخر والكيد له لدى الملك النعمان، وكيف استخلص هذا المشهد من أن الملك النعمان بشر لا يعلم الغيب، لكن الحقيقة شمسٌ لا تغيب حتى وإن طال كسوفها، فسبع سنين كشفت أن سيف المنخّل اليشكري وإن خُيّل له أنه قاطع، فهو غادر ضعيف، وأن حب النابغة لم يكن زائفاً، ولذلك فقد أبكاني مثلما أبكى امرأة كانت خارج خيمة عرض المسرحية، أبكانا وهو يقول:
لَئِن كُنتَ قَد بُلِّغتَ عَنّي وِشايةً
لَمُبلِغُكَ الواشي أَغَشُّ وَأَكذَبُ
أبكانا النابغة لأننا بشر، وقبلها أبكانا هذا الإتقان في معالجة الفكرة من صاحب السموّ حاكم الشارقة؛ لأنه يحمل الإنسانية في قلبه، ويتبناها حياة وممارسة، فتواضع سموّه حين صعد المسرح ليحيي الممثلين أمام الجمهور أبلغ من الكلام، ولذلك قال لي الدكتور عبدالله المعطاني، نائب رئيس مجلس الشورى السعودي السابق: شاهد عظمة هذا الرجل. نعم هذه المسرحية جدّدت الروح في الذات، وغمرتنا بالأمل والفرح، وستبقى في الذاكرة ضوءاً ينير لنا الطريق لفهم الواقع والاستفادة من أحداث التاريخ.