جيل رقائق الثلج

00:06 صباحا

د. موزة سيف الدرمكي*

أصبحنا في هذه الفترة نسمع عن مصطلح (رقائق الثلج)، وقد سمي أيضاً (بالهشاشة النفسية)، وظهر العديد من الباحثين الذين تناولوا هذا الوباء بالبحث والدراسة، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على انتشاره في المجتمعات. 
وبالفعل في عالمنا العربي، أصبحنا نلاحظ انتشار هذه الظاهرة بين شبابنا وبناتنا وحتى أطفالنا، ونعانيها كآباء ومعلمين ومربين بشكل كبير.
ويشير هذا المصطلح إلى حالة خطيرة تعتري الشخص عند تعرضه لمشكلة ما، فهو يتصور أن مشكلته أكبر المشكلات، كما يعطي الموضوع حجماً أكبر من اللازم لا يتساوى مع حجمه الحقيقي، ويدخل في حالة من البؤس والعجز والتحطم، مع إحساسه بالإنهاك النفسي الكامل والضياع، مما يقوده إلى الاستسلام، كونه يرى أن الظروف جميعها تقف ضده.
ويشير إسماعيل عرفة في كتابه «الهشاشة النفسية» (2022) إلى أن ظاهرة الهشاشة النفسية بدأت بالظهور في العالم العربي في مطلع عام 2017 لدى بعض فئات الشباب والفتيات تزامناً مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
ويتجلى تأثير ذلك في ظهور العديد من الظواهر الخطيرة، وتضخيم الشاب أو الفتاة لأي مشكلة تحدث في حياته وتصويرها ككارثة، ومثال على ذلك عدم قدرة الشاب على التوفيق بين متطلبات الوظيفة والدراسة، مما يقود إلى تحطمه نفسياً، وانقطاعه عن الدراسة لفترة، واتخاذه قراراً بالتوقف عن الدراسة في الجامعة أو تقديم استقالته من العمل.
ومثال آخر على ذلك تطور مفهوم التنمر من كونه يمثل جميع أشكال الاعتداء الجسدي واللفظي على الشخص الآخر، إلى أن يصبح الآن أي اختلاف في الرأي أو أي نقاشات حادة بين الزملاء، وهذا أمر يستحق الانتباه والتأمل.
فهو جيل هش سريع الانكسار، لا يتحمل أي ضغط عليه، وإن تعرض لذلك فإنه يلعب دور الضحية.
ومن الأسباب الأخرى في تفشي ظاهرة رقائق الثلج أيضاً قنوات التواصل الاجتماعي التي أدت إلى تقليص فكرة النجاح والشهرة والثراء في نشر مقطع يحصد أكبر عدد من «اللايكات» أو المشاهدات والقلوب الحمراء، مما يدر على صاحبه أموالاً طائلة، بغض النظر عن كون هذا المقطع تافهاً أوغير هادف. 
ولنتجنب كآباء ومربين التسبب في الهشاشة النفسية لأبنائنا لا بد لنا من تعويد أبنائنا على تحمل مسؤولية إنجاز مهامهم اليومية بأنفسهم، وتبدأ هذه العملية منذ الصغر بدلاً من تجنيبهم خوض هذه التجارب. 
كما لا بد من القضاء على الفراغ لدى الأطفال، والاستعاضة عنه بتعليمهم ما يعينهم على فهم طبيعة الحياة وتحمل مسؤوليتها، إضافة إلى تعليم هؤلاء الأطفال الطريقة الصحيحة للتخلص من الضغوط النفسية كممارسة المشي أو الاستغفار، أو الحديث مع شخص مقرب.

* جامعة كلباء

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2sayv8nj

عن الكاتب

دكتوراه الفلسفة في التربية الخاصة
أستاذ مساعد في جامعة كلباء، حاصلة على دكتوراه الفلسفة في التربية الخاصة، لديها خبرة تمتد 17 عاماً في تعليم وتدريب أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة العقلية واضطراب التوحد.
حصلت على عدد من جوائز التميز مستوى الدولة، منها: (جائزة خليفة التربوية، جائزة حمدان للتميز التربوي ، جائزة الشارقة للتميز التربوي، جائزة الناموس للتميز التربوي، جائزة مدامة للاستدامة البيئية، جائزة الفجيرة للإستدامة البيئية)، ولديها عدد من الأبحاث العلمية المنشورة في مجلات علمية محكمة.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"