قوة الضعف.. وضعف القوة

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

د. ناجى صادق شراب

شتان بين القوة العسكرية لإسرائيل، والقوة العسكرية المتاحة فلسطينياً، بما تشمله من قوة المقاومة بكل فصائلها، فإسرائيل تملك كل القوة المتفوقة والمدعومة أمريكياً، والفلسطينيون يملكون ما يقدرون على حمله من سلاح يدافعون فيه عن أنفسهم وقضيتهم. والفارق كبير بين وظيفة السلاح إسرائيلياً، والسلاح فلسطينياً. وهو ما يعتبر أحد المبادئ الحاكمه لكثير من الحروب، خصوصاً الحروب التي خاضتها دول وشعوب العالم الثالث من أجل التحرر والاستقلال.

فلا توجد قوة أكبر من قوى الدول والإمبراطوريات الاستعمارية، كما الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية، وغيرهما، ولكنها قوة الضعف للشعوب الإفريقية والآسيوية التي انتصرت، ولدينا النموذج الجزائري، وغطرسة القوة الفرنسية، واعتبار الجزائر أرضاً فرنسية، فقدمت الجزائر مليون شهيد، والنتيجة كانت انتصار مبدأ قوة الضعف على ضعف القوة. وكما يقول المحلل السياسي والاستراتيجي الفرنسي، برتران بادي، في كتابه «عجز القوة»: «إن الولايات المتحدة لم تكتف يوماً من الأيام بهذه القوة الشاملة، ولم تكن في يوم الأيام من هذا العجز في مواجهة التحديات التي تواجهها كقوة أحادية». ثم يسأل: لماذا يصعب عليها السيطرة؟ ويجيب لأن الإطار الدولي قد تغير، ولم تعد بيئة النظام الدولي التي سادت بعد الحرب الثانية وسقوط الاتحاد السوفييتي قائمة. والسؤال الآخر الذي يطرحه: ما هي انعكاسات وتداعيات هذه المعطيات الجديدة؟ ويجيب، تُظهر عناصر القوة التقليدية أنها لم تعد مؤثرة وفاعلة وغير كافية. فالعنف الاجتماعي لا يحارب بالقوة العسكرية، وكلما أظهرت أمريكا قوة أكبر كلما زادت درجة المعارضة والمقاومة والتشدد. وتصبح لعبة التحالفات أكثر صعوبة. وكما يقول أمين هويدي، وزير المخابرات المصرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فإن «القوة تتحول أحياناً إلى ضعف والضعف يتحول إلى قوة».

هذه المعادلة هي التي تحكم العلاقات الدولية، وتحكم الحروب والصراعات الدولية، فللقوة حدود، والضعف يتحول إلى قوة عندما يرتبط بعدالة القضية التي تحارب من أجلها. والأمثلة كثيرة، وأبرزها تجسيداً الحرب التي تشهدها غزة الآن، وقبلها أكثر من خمسة حروب. فمن منظور القوة تستطيع إسرائيل أن تدمر غزة بالكامل، وتوقع مئات الآف القتلى، لكنها أيضاً محكومة بحدود القوة، ففي هذه الحالة ستفقد الحرب كل مبرراتها وذرائعها، ونرى كيف تحول تأييد الرأي العام ضد العدوان الإسرائيلي، وإدانة عملية الإبادة والسرديات الإسرائيلية. إن عناصر قوة إسرائيل تكمن في قوتها العسكرية الشاملة، وهذا العنصر ليس ثابتاً، بل هو متحول. أما عناصر الضعف فتكمن في أمور كثيرة، منها مشاكل التكامل والأندماج الداخلية، ووجود 20 في المئة من السكان عرباً، إضافة إلى الهوية الدينية، وتراجع الديمقراطية، وتنامي التطرف والإرهاب والعنصرية. ويبقى أن خيار القوة والحرب لا يضمن لها الأمن والبقاء. فإسرائيل تعيش على الهجرة، وهذه قابلة لتتحول لهجرة عكسية مع زيادة الحروب. وعنصر الضعف الرئيسي يكمن في تجذر الشعب الفلسطيني على أرضه، وتمسكه بحقوقه التاريخية.

هذه هي عناصر الضعف التي لا يمكن للقوة أن تحميها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mcz8w8ee

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"