عادي
أول عروض مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

«الناموس»... قانون حياة ومصباح طريق

00:08 صباحا
قراءة 4 دقائق
مهرجان المسرح الصحراوي مسرحية الناموس/ تصوير محمد الطاهر
نهاية العرض وتحية الممثلين للجمهور
جانب من المسامرة النقدية

الشارقة: علاء الدين محمود

ضمن عروض الدورة ال 7 من مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، شهدت منطقة الكهيف في الشارقة، مساء أمس الأول الجمعة عرض مسرحية الناموس، لفرقة مسرح الشارقة الوطني تأليف سلطان النيادي وإخراج محمد العامري، بمشاركة نخبة من نجوم المسرح الإماراتي بقيادة أحمد الجسمي، وسميرة أحمد، وإبراهيم سالم، وعبد الله مسعود، إضافة إلى عدد كبير من الممثلين والمؤدين.

يغوص العرض في التراث الإماراتي البدوي، ويقدم مشاهد متنوعة وشاملة عن الحياة البدوية في أبعادها المختلفة من عادات وتقاليد، ويركز على القيم السامية التي هي بمثابة ميثاق اجتماعي لا يمكن الخروج عنها، لأن في ذلك ضياعاً لروح المجتمع، ولعل تلك السمات والمواضيع التي طرحها العمل جعلته ينتمي إلى فكرة المهرجان الذي يجسد ثقافة الصحراء ويبرز طريقة الحياة فيها والمثل العليا التي يتمثلها إنسان البادية من خلال الحكايات الشعبية والأمثال والأشعار والأهازيج، وهي الإبداعات التي وظفها العرض بصورة جيدة.

حكاية

العرض هو عبارة عن حكاية جرت في الصحراء، عن قبيلة عربية، تقطن في إحدى البوادي، ويتعرضون في كل مرة لهجمات من أقوام في الصحراء، وبدلاً من الاستعداد والعمل على مواجهتهم يقضون وقتهم في الثرثرة والاتكاء على بطولات الماضي والأمجاد القديمة، وكذلك الصراع من أجل الوجاهات وقيادة القبيلة، فكل واحد من الوجهاء يريد أن يصبح «قيدوم» القوم، وأمام هذا الواقع ضيع هؤلاء قيمهم القديمة في مواجهة الأعداء، بينما توصل أعداؤهم الذين يغيرون عليهم إلى حيلة لإيقاف هجمات القبيلة، وهي الاتفاق على سباق بين فرسان الطرفين، فإذا فاز فرسان القبيلة، فإن الهجمات عليهم سوف تتوقف من الطرف الآخر، لكنهم بدلاً من الاستعداد للمواجهة، فإنهم كعادتهم قضوا الوقت في الصراع والثرثرة حتى انقضى الأجل المعقود للسباق، فكان أن هجم عليهم الأعداء مرة أخرى في ضربة ساحقة ذهبت بكل خيامهم، ولم يتبق غير خيمة واحدة ضمت كل القبيلة.

أتاح تواجد القوم في خيمة واحدة فرصة كبيرة لتقارب وجهات النظر وتبادل الآراء حيث صار كل واحد منهم يستمع للآخر، وتخلوا عن الغرور والمباهاة، وهو الأمر الذي وحدهم، وقربهم من بعضهم، وجعلهم يتكاتفون فعادت إليهم الوحدة المفقودة، ومعها عاد البأس والشدة والمنعة، حيث أراد العرض أن يقول ضمن معانيه: إن الوحدة هي السبيل الأقرب لهزيمة أي عدو والدفاع عن الأرض والعرض، وصناعة حياة مشتركة لجسد واحد بعيداً عن التفرقة والشتات، وذلك هو ما ضمن لهؤلاء القوم أن يعيشوا حياة جديدة مختلفة عن تلك التي عاشوها أيام ضعفهم وهوانهم، حياة تسود فيها قيم العزة والكرامة والشجاعة والإباء والكرم وغير ذلك من العادات العربية القديمة.

عنوان العمل «الناموس»، يحيل المشاهد إلى المعاني التي يريد العرض أن يبعثها ويحييها في النفوس لتظل باقية، فهو يعني الشرف والمكانة الرفيعة، كما يعني العهد والطريق، وذلك ما وجده هؤلاء القوم الذين جرت بينهم الحكاية، فقد مثل لهم الاتحاد والاتفاق طريقة حياة وعيش.

حلول إخراجية

العمل كان أقرب للعرض الاستعراضي، حيث قدم مخرج المسرحية الكثير من الحلول والمقاربات والرؤى الإخراجية، استعان عبرها بالشعر البدوي والموسيقى الشعبية والقصص والأمثال لتقريب معاني العرض، وكذلك استخدم مفردات الصحراء من خيول وخيام وأزياء، حيث قام بتوظيف ديكور يعتمد على 5 خيمات، واحدة كبيرة في مواجهة الجمهور، وخيمتان في كل جانب، وتدور الحكاية في كل واحدة من تلك الخيم، حيث استعان المخرج بتقنية إسقاط الإضاءة أو البقع الضوئية وغيرها من عناصر السينوغرافيا في صنع تشكيلات ومشهديات جمالية ومؤثرة، وكذلك استعان العرض بالكوميديا في أوقات قصيرة بطريقة منسجمة مع العمل، وجاء الأداء التمثيلي ليكمل تلك اللوحة عبر أدائية متميزة من قبل الممثلين على مستوى الحوارات والحركة في طول وعرض المكان وعملية التسليم والتسلم، إذ كان الأداء متناسباً مع عرض خارج العلبة الإيطالية، واستطاع الممثلون أن يصنعوا علاقة مع المتلقين، وهو الأمر الذي وجد صدى كبيراً من قبل الجمهور الذي تفاعل مع العمل كثيراً.

أفكار

حملت مطوية العرض كلمتي المؤلف والمخرج، وعملتا على تقريب فكرة العمل، ولعل اللافت في الكلمتين أنهما كانتا عبارة عن أبيات من الشعر النبطي البدوي، حيث جاء في كلمة المؤلف سلطان النيادي: بينا نوفي عهود وذمة / عنا لا تقولو خلفنا الوعايد / إن نوينا على شي نتمه / لو رمينا في نار الوقايد.

كما جاء في كلمة المخرج محمد العامري: جيل ورا جيل ورا جيل / يتبادلون الدرب ولو طال المدى / وإن طاح جيل يسنده جيل / وإلهم عظيمات الفعايل.

وتلك النصوص لا شك أنها تحمل بين طياتها معاني القيم الأصيلة للإنسان العربي، وتدعو للتمسك بها، لأنها هوية وفخر ومجد.

عوالم ثقيلة

العمل جاء مكثفاً ومختزلاً حيث لم يتجاوز نصف الساعة، غير أنه حمل العديد من الرؤى والأفكار من خلال حكاية شعبية أسقطت على الواقع العربي في صورته الراهنة بطريقة ابتعدت عن المباشرة الفجة، حيث عمل المخرج على تمرير الكثير من العوالم الثقيلة بالاستعانة بعناصر وتقنيات مختلفة من موسيقى وأشعار، كما لعب الراوي أحمد الجسمي، دوراً محورياً في سرد قصة العمل وعوالمها المختلفة، وكان بمثابة قنطرة بين المسرح والجمهور بصوت جهوري واضح، ومقدرة على إيصال معاني العمل.

مسامرة نقدية

تلا العرض مسامرة نقدية بحضور محمد العامري وسلطان النيادي وإدارة المسرحي محمد سيد أحمد، حيث قوبل العرض بثناء الجمهور كما أشاد المشاركون من النقاد وضيوف المهرجان بنص العمل والرؤية الإخراجية التي قدمها العامري، وأشاروا إلى أن العرض استطاع أن يتمثل فكرة المهرجان من خلال الحكاية التي اتكأ عليها النص، والمعالجة الإخراجية والديكور وتوظيف الأزياء والأداء التمثيلي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5xkv7twu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"