عادي
عرض موريتاني في مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

«ملحمة أولاد العالية»... البادية خزان القيم

19:46 مساء
قراءة 4 دقائق
مشهد من العرض
تصوير: محمد الطاهر
مشهد من العرض
تصوير: محمد الطاهر
الشارقة: علاء الدين محمود
ضمن فعاليات الدورة السابعة من مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، شهدت منطقة الكهيف في صحراء الشارقة، مساء السبت، العرض الموريتاني «ملحمة أولاد العالية»، لفرقة جمعية إيحاء للفنون الركحية، تأليف وإخراج: شلي عبد الفتاح، وأداء مجموعة من الممثلين.
العمل يقف شاهداً على تنوع وثراء ثقافة الصحراء، وخصوصية كل مجتمع من مجتمعاتها، من حيث طرائق العيش والمفردات الثقافية، مثل: الأزياء والموسيقى والرقصات والأشعار والأهازيج والحكايات والفولكلور، غير أن ما يجمع بين كل العرب في الصحراء تلك القيم السامية المتوارثة عن الأجداد، والتي يعملون بكل جد على الحفاظ عليها.
العرض يبرز قيم الكرم والشجاعة وعزة النفس والبأس والقوة والمنعة والمر وءة، وغير ذلك من أخلاق فاضلة، ولعل تلك هي الثيمات التي نسجت تفاصيل المسرحية، فقد كانت تلك القيم بمثابة البطل للعمل، حيث تحتفي بتلك الصفات التي اتسمت بها شخصية العربي في صحرائه الشاسعة الممتدة، فقد تعلّم من هذه المساحات التي تبدو بلا نهاية والمترامية أمامه، ضرورة التعاون والمحبة والتعاضد.
ينفتح العرض على حكاية جرت في الصحراء بين أبناء عمومة يقطنون البادية الموريتانية، وكانت بينهم صراعات وحروب، فلا تكاد تنتهي بينهم معركة إلا وتبدأ أخرى أشد وطيساً، وعلى الرغم من ذلك فإن تلك الصراعات لم تجعلهم ينسون عاداتهم وتقاليدهم وموروثهم، حيث الكرم والتعامل بالأخلاق العالية، والمثل الرفيعة في مواجهة الآخر، ولعل تلك القيم التي سادت بين القوم، هنا وهناك، وكانت بمثابة دستور وسلطة، هي التي جعلت من التقارب والسلام والتسامح بينهم، في نهاية المطاف، ضرورة حتمية، فقد كانت العلاقة مثل تلك التي تجمع بين الظفر واللحم، فلا سبيل غير التقارب، إذ كان الاختلاف عابراً حتمته طبيعة الحياة نفسها، لكن الإنسان بعزمه يمتلك القدرة على ترويض نوازعه.
في خضم هذا الصراع بين قبيلتين، كانت الغلبة بصورة مستمرة لإحداهما على الأخرى، فالأولى كان لها أمير عليم بأسرار وأحوال الحروب والمعارك، وفوق ذلك لديه فرس ليس لها مثيل في الخيل تدعى «المجزوزة»؛ أي الفرس التي قُطع شعرها فكان ذلك من علامات أصالتها، وتنطق الكلمة في موريتانيا بقلب الجيم ياء، كما هو الحال في كثير من بادية العرب، وقد سرى بين عرب بادية تلك الأنحاء أن المجزوزة هي سر انتصار تلك القبيلة، فصاروا يؤمنون بأن من يعتلي ظهرها سينتصر في أية معركة لا محالة.
*رحلة
وأمام هذا الواقع، فقد انعقد العزم في القبيلة الأخرى التي وقعت عليها الهزائم المتتالية، على ضرورة سرقة المجزوزة من خصومهم، وأخذها عنوة، فكان أن طلبوا من أحد فرسانهم ويدعى عمر، الذهاب والتسلل إلى مضارب قبيلة الأعداء من أجل سرقة الفرس، وبالفعل انطلق عمر في تلك الرحلة بعد أن قطع وعداً لأمير قبيلته بأنه لن يعود إلا والمجزوزة بصحبته، وعند وصوله إلى القبيلة الأخرى أطلق على نفسه اسم «طالبنا»، وقدم نفسه على أساس أنه ضيف قادم من بلاد بعيدة، فتم استقباله وفقاً لعادات العرب بكل حفاوة وكرم وترحاب وتقدير، وتعرف إلى الكثيرين من وجهاء القوم الذين وجدوا فيه رجلاً شهماً ونبيلاً، ولم يكونوا على علم بنواياه التي أخفاها جيداً وراء مظهر من الطيبة وبشاشة الوجه، فكان يتجول في الحي وفي كل مرة كانت عينه تقع على المجزوزة وهي تتجول مع سائسها عبد الرحمن، فكان أن تجاذب عمر الحديث مع ذلك السائس الذي أخبره بأن لا أحد في الحي يستطيع أن يمتطي صهوة تلك الفرس إلا الأمير.
استمر عمر، أو طالبنا، أياماً وشهوراً يتحين الفرصة لسرقة الفرس، وبينما هو على تلك الحال، وقع في حب إحدى فتيات تلك القبيلة، وهام بها، وكانت بينهما لقاءات ومواعيد تبادلا خلالها الأحاديث التي قرّبت بينهما، غير أن ذلك الأمر لم يثنِ عمر عن مهمته والتفكير في سرقة المجزوزة، وفي أحد الأيام لاحت له تلك الفرصة التي كان ينتظرها طويلاً عندما وجد الفرس بلا حراسة، فكان أن اقتادها ليهرب بها، غير أن فرسان القبيلة انتبهوا لأمره، وألقوا القبض عليه واقتادوه نحو أميرهم الذي لم يصدق في بداية الأمر، أن يقدم عمر على تلك الفعلة، خاصة بعد ما وجد منهم من حسن المعاملة، حيث اعتبروه واحداً منهم، وغمروه بكرمهم ومحبتهم، وجرى حوار يحمل العتاب الكبير بين أمير القبيلة وعمر.
*ليالي السجن
اقتاد الحرس عمر إلى السجن جراء جريمته، فقد طلب منهم أميرهم أن يحبسوه إلى أن ينظر في أمره، وبالفعل بقي عمر أياماً، كان خلالها يسلي نفسه بالعزف والغناء والإنشاد، وكان يمتلك موهبة أظهرتها أيام الحبس، وأعجب بها الأمير عندما استمع إلى عمر وهو يغني في عزلته تلك، فكان أن طلب الأمير من الحرس أن يحضروا عمر إليه لكي يقضي في أمره، وعندما مثل عمر بين يدي أمير القبيلة أخبره بالأسباب التي دعته لسرقة المجزوزة، والمتمثلة في الاعتقاد بأنها السبب في الهزائم المتتالية التي وقعت على قومه، وهنا كانت المفاجأة عندما أعلن له الأمير أنه سيهبه المجزوزة كهدية منه، وهو أمر أدهش عمر الذي أخذ يفكر في الأسباب التي قد تجعل الأمير يتخلى عن فرسه، وهي سبب انتصاراته.
اقتاد عمر المجزوزة إلى قومه فرحاً، وهناك استقبل القوم ابنهم العائد بالأفراح والأهازيج، لظنهم أن عمر قد أخذ الفرسة عنوة من العدو، وأصابتهم الدهشة عندما أخبرهم عمر بأن الأمير قد أهداه الفرس، وهنا انعقدت ألسنة القوم أمام كرم أمير تلك القبيلة، فكان أن طلب أمير قبيلة عمر منه أن يرجع الفرس إلى صاحبها، وأن يدعوه للقاء يجمع الأميرين في ساحة الحرب، لكن هذه المرة ليس من أجل القتال والمعارك، بل من أجل المحبة والسلام الذي تحقق أخيراً، ليس بالقتال، ولكن بكرم الأخلاق وانتصار القيم العربية.
*رؤى إخراجية
مخرج العرض، وهو نفسه المؤلف، استعان على تنفيذ النص بجملة من التقنيات الإخراجية التي تنسجم مع طبيعة المهرجان، وشكلت الأزياء وتصميم الرقصات وعناصر سينوغرافيا أضافة جمالية للعمل الذي وجد قبولاً كبيراً من الجمهور وكذلك النقاد في الندوة التطبيقية التي أعقبته.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4p5x3xxd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"