هل تستطيع السخرية أن تظلّ بمعزل عن قضايا الأمن القومي؟ المسألة ليست مزاحاً، فقد جاء في موقع «بي.بي.سي» هذا العنوان: «سيناتور أمريكي: الثوم الصيني خطر على الأمن القومي الأمريكي». ذريعة ظاهر القصة هي أنهم زعموا أن الثوم الصيني غير صحي، لأن المياه المستخدمة في زراعته مستعملة. الولايات المتحدة تستورد هذا الثوم منذ عقود من بلد التنين، الذي هو أكبر مصدّر للثوم عالمياً.
الحل أبسط ما يكون، على طريقة ماري أنطوانيت، التي أذهلها غباء جياع الخبز، بينما كان في إمكانهم الاستعاضة عنه بالأهلّة (الكرواسون). في الأزمة الثومية، كيف خان الذكاء الصين الشيوعية، وهي تعرف دلع أهل الرأسمالية الليبرالية ودلالهم، فكان عليهم أن يسقوا الثوم المعدّ للتصدير إلى الإمبراطوريّة، بالمياه المعدنية أو بالمياه المقطرة المدعمة بالفيتامينات؟ إحدى جامعات جيرانهم الكنديين، قال باحثون فيها: «إن مياه الصرف الصحي أفضل للزراعة، لأنها إضافة إلى الريّ تحمل معها السماد العضوي».
حتى في الثوم تلعب نظرية المؤامرة أدوارها الماكرة. لك أن تتذكر المثل العربي الطريف: «لأمر ما جدع قصيرٌ أنفه». السيناتور، اتهم الصين بأنها «تبيع ثومها بأقل من كلفته»، ما يوحي بأنه بضاعة فاسدة تريد التخلص منها. ربما استعادت ذاكرته إلقاء ثلاثمئة طن من اليورانيوم المنضب على أرض السواد العراقية، فتراءى له الثوم الصيني مرشوشاً بالعنصر المشعّ.
قال القلم: الإمبراطورية وحلفاؤها مدرسة في مجال الأمن القومي: الردّ على الحصاة بجبل. العالم العربي لا هو مثل الجاهلية: «وإذا بليت بظالم كن ظالماً»، أو «ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يُهدّم»، ولا هو عمل بالذكر الحكيم: «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة»، بل إن هذه الزاوية نُشر فيها عمود قبل سنوات: «المتنبي لنا وشعره لهم»، جاء فيه أن القوى العظمى هي التي نفّذت نظرية أبي الطيب في بناء الدولة: «أعلى الممالك ما يُبنى على الأسلِ» (الرماح العوالي)، أي قوة الدفاع، لا انعدام الأخلاق والقيم الإنسانية في إبادة الخلائق بضمائر ميّتة.
كم يتمنى العربي أن يكون ماؤه، غذاؤه، دواؤه، ثومه، بصله، عدسه، لغته، ثقافته، اقتصاده، كل شعرة في مفرق أيّ عربي، قضية أمن قومي. يوم المنى.
لزوم ما يلزم: النتيجة المطبخية: طبخات الأمن القومي لدى «العم سام» كان ينقصها الثوم. شهية طيبة للعالم.
[email protected]
https://tinyurl.com/2xryw44e