عادي

أردوغان «يصفّر» المشكلات مع اليونان

23:55 مساء
قراءة 4 دقائق
أردوغان ورئيس وزراء اليونان

كتب-المحرر السياسي:

عرف العالم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من خلال براغماتية تجلت في تعامله مع قضايا الداخل، قبل إدارة علاقات بلاده مع الجوار التي رفع لها شعار «صفر مشاكل»، وعلاقاتها مع حلف شمال الأطلسي، رغم تباين الاستراتيجيات العامة، حول عدد من القضايا على المسرح العالمي، ثم من خلال إدارة علاقات أنقرة مع روسيا، بشكل خاص، في ظل التقلبات التي شهدتها ظروف الحرب في سوريا والحرب في أوكرانيا.

بلغت التوترات التركية مع اليونان في السنوات العشر الماضية، حداً ينذر بالانفجار في أية لحظة، حتى أن سفناً يونانية احتكت مع السفن التركية في بحر إيجة، عندما احتدمت الخلافات حول الجزر المتنازع عليها والتنقيب عن الغاز، ما اعتبره المراقبون امتداداً للحرب القبرصية التي تسبب بها خلاف الجارين، إلى تقسيم الجزيرة منذ عام 1983.

ويسعى أردوغان إلى تطوير علاقات تركيا مع دول العالم في إطار استراتيجية «القرن التركي» التي أطلقها بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، والقائمة على تطلعات أنقرة كقوة صاعدة في زمن انكفاء النفوذ الأمريكي. وحققت السياسة التركية منذ بدء الحرب في أوكرانيا نجاحات لافتة خاصة في التوسط بين روسيا وأوكرانيا، ما أسفر عن اتفاقية نقل الحبوب.

وتأتي أول زيارة للرئيس التركي إلى اليونان منذ 2017، في إطار جهوده لتحقيق تلك الاستراتيجية، حيث أعرب عن أمله في تدشين «عهد جديد» في العلاقات مع هذا البلد بعد أعوام من التوتر مع الخصم التاريخي لأنقرة.

وبحث أردوغان في زيارة، استمرت خمس ساعات، التقى خلالها نظيرته اليونانية ساكيلاروبولو، ورئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، قضايا تتعلق بالتجارة والقضايا الإقليمية وملف الهجرة.

البحث عن النفوذ

وكان هناك نوع من التفاهمات في موضوع اللاجئين، حيث إن تركيا تضغط على اليونان، وعلى الاتحاد الأوربي، في موضوع اللاجئين باعتبارها طريق عبور، وبالتالي قد يكون هناك تفاهم على موضوع اللاجئين، بحيث تؤمّن تركيا منع وصول اللاجئين من الشواطئ التركية للشواطئ أو الجزر اليونانية، أو قبول إعادة اللاجئين في حال نجاحهم في الوصول إلى الأراضي اليونانية. وأثارت تلك الزيارة، والتصريحات التي خرجت عنها، الكثير من ردود الفعل في الوقت الذي يعتقد أن أنقرة تسعى لتعزيز نفوذها في الإقليم، خاصة مع القوى الرئيسية، وتحقيق مصالح سياسية واقتصادية تخفف الضغوط الداخلية.

وقد أسفرت المباحثات والجهود الدبلوماسية المكثفة عن توقيع أكثر من 12 اتفاق تعاون، في التجارة والطاقة والتعليم، بجانب الإعلان عن خريطة طريق لمشاورات مستقبلية رفيعة المستوى تهدف إلى تجنب الأزمات. وأكد أردوغان عزم تركيا على حل كل الخلافات مع اليونان، مشيراً إلى رغبته في تحويل بحر إيجة إلى «بحر سلام».

واعترف رئيس الوزراء، اليوناني ميتسوتاكيس، بأن العلاقات الثنائية كانت مهددة في الماضي، لكنها أصبحت على مسار أكثر هدوءاً، كما أعلن أنه سوف يقوم بزيارة لأنقرة، في الربيع المقبل.

وكانت الخلافات طويلة الأمد بين أثينا وأنقرة، أوصلت الجانبين إلى حافة الحرب، أكثر من مرة، خاصة نتيجة التوترات التي تسببت بها الخلافات على الحدود البحرية، وحقوق التنقيب عن الموارد في بحر إيجة، وشرق البحر المتوسط.

ويمكن القول إن زيارة أردوغان إلى أثينا، أسفرت عن تجميد تلك الخلافات، وعززت الآمال بعودة العلاقات والروح الإيجابية بين البلدين، مع طرح كال القضايا العالقة ومناقشتها بوضوح وصراحة.

وتركز الإدارة التركية على فتح قنوات الحوار لحل المشاكل العالقة، خاصة مع تأكيد أردوغان على عدم تكرار أخطاء الماضي التي تجلت في الجفاء الطويل، وغياب اللقاءات الدبلوماسية والسياسية.

وقد اتفق الجانبان على إحياء «مؤتمر أثينا»، وهو مجلس التعاون عالي المستوى لتوسيع دائرة العلاقات الثنائية في جميع المجالات.. ومن المتوقع أن ترتفع حركة التجارة البينية من 5 إلى 10 مليارات دولار.

وكانت المشاكل ذات الصلة بشرق البحر المتوسط، وجزيرة قبرص، موضع نقاش، حيث اتفق الجانبان على حلّها عبر الحوار المتبادل، وأنيطت الصلاحية بوزيري خارجية البلدين لحل هذه المشاكل العالقة.

ويعتقد المراقبون أن هذه الزيارة فوّتت الفرصة على كل من يحاول تأجيج الخلافات بين تركيا واليونان، وخلق أزمات دبلوماسية وسياسية، وربما عسكرية أيضاً، وبالتالي تم نزع فتيل هذه الأزمة.

مصالح تركية

وقد فرضت التغيّرات المتسارعة على الصعيد الجيوسياسي العالمي، على كل من اليونان وتركيا، إعادة النظر في علاقات كل منهما بالآخر، خاصة أنقرة التي تسعى جاهدة لتلطيف الأجواء مع دول الجوار، وتحديداً، مع دول التماس التي تمثل أولوية استراتيجية لأنقرة، في سياق مجموعة من الاعتبارات، تشمل التراجع الحاد في الاقتصاد التركي، وحاجة تركيا لمزيد من الاستثمارات الخارجية، والتقارب الاقتصادي والتجاري. كما تشمل إدراك تركيا أن تعزيز نفوذها في الإقليم لا يمكن أن يتم بعيداً عن التقارب مع القوى الرئيسية في المنطقة.

ولا شك في أن التحركات في شرق المتوسط، وعمليات التنقيب عن الطاقة، باتت تستلزم تسوية النزاع مع اليونان، في بعض القضايا الخلافية، باعتبار أن اليونان مدعومة من الولايات المتحدة، وعدد من القوى الأوروبية.

ولدى تركيا طموحاتها الخاصة في ما يتعلق باستكمال العديد من مشروعات الطاقة المتعلقة بنقل الغاز المستكشف في اليونان وقبرص عبر تركيا إلى أوروبا، وبالتالي، هذا الأمر يستلزم في جانب واسع منه تسوية القضايا الخلافية، كما تأخذ في الاعتبار تعزيز نفوذها الجيواقتصادي، في ظل العديد من الرؤى المتعلقة بإنشاء ممرات تجارية دولية.

وقد دفعت هذه العوامل ذات الثقل الاستراتيجي على الصعيد المحلي، والأزمات المتعاقبة التي بددت جهود الدول على المستوى الإقليمي، على مدار السنوات الماضية، تركيا لتعزيز وتطوير علاقاتها مع دول الإقليم، وحلحلة القضايا الخلافية، حيث اتجهت لمزيد من التوازن مع كل القوى، الدولية والإقليمية. وتجلّى ذلك في الحفاظ على قدر من التوازن والمصلحة في علاقاتها مع روسيا، واستمرار الخطوط مفتوحة مع إيران، ومحاولة حل القضايا مع الولايات المتحدة، والانفتاح بصورة كبيرة على الدول العربية، خاصة دول الخليج.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4ezewupy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"