اليوبيل الماسي لإعلان حقوق الإنسان

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

د. خليل حسين
احتفلت الأمم المتحدة في العاشر من يناير/ كانون الأول بأيقونة المواثيق التي تفاخر برعايتها منذ خمسة وسبعين عاماً، وهي التي أنشأت لجنة خاصة برعاية جمعيتها العامة لتواكب من كثب كل ما يتصل بقضايا حقوق الإنسان عالمياً ووطنياً.

فالميثاق يحمل في ثنايا مواده الثلاثين إطاراً شاملاً لمختلف المجالات التي تحيط بحياة البشر ومستلزماتها في العيش الكريم، بدءاً من حق الحياة مروراً بالحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية، وصولاً إلى متفرعات تكاد لا تحصى، وهي مشمولة في سبعين اتفاقية دولية تنظم كل شاردة وواردة في القضايا ذات الصلة، والمترجمة إلى 500 لغة، علاوة على برامج إعلامية تشمل مؤتمرات ومتابعات دولية في مختلف بقاع العالم.

والأمر لم يقتصر على ذلك الكم الهائل من الأدوات وآليات المتابعة، ليتم إنشاء مجلس حقوق الإنسان الذي أُحق بالجمعية العامة للأمم المتحدة بعد جدل كبير حول إمكانية إبقائه كجهاز مستقل على قدم المساواة مع الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة كمجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. ورغم تبعيته للجمعية العامة ظل هذا المجلس متسماً بطابع خاص لامس آليات المحاكم الدولية في بعض أوجهها، لكنه لم يصل إلى مصاف المؤسسات القضائية الدولية بفعل تسييس عمله وعدم قدرته على الانفصال عن بيئة الضغوط التي تمارس عادة في مثل تلك المؤسسات.

إذاً، رغم الإحاطة الواسعة بقضايا حقوق الإنسان فلم تصل المجتمعات إلى الوضع الأمثل الذي رسمته تلك البيئات القانونية الرفيعة المستوى، خاصة أن الإعلان نفسه وما نشأ عنه استند في الأساس إلى إعلانين مهمين رياديين في هذا المجال، هما المبادئ الواردة في إعلان استقلال الولايات المتحدة عام 1776، وإعلان فرنسا لحقوق الإنسان والمواطن عام 1789؛ إذ ما زالت الشعوب والمجتمعات تعاني ظروفاً قاسية جداً يصل بعضها إلى ظروف أشبه بالعبودية.

اليوم تعاني البشرية اضمحلال وسائل العيش الكريم وحق الحياة بمستويات لائقة، بل ما زال الكثير من المجتمعات يسجل حالات عوز وفقر ومرض ذهب بها شظف الحياة إلى سلوكيات أخطر من أسبابها، وتمظهرت بالعنف والقتل والإرهاب وغيرها من المظاهر التي حاولت مواثيق حقوق الإنسان محاربتها ومكافحتها.

والأخطر من ذلك تداعيات التذمر والاحتجاجات في بعض المجتمعات التي تم استغلالها بشكل خاطئ، حيث كانت التدخلات الخارجية مثلاً لحماية المجتمعات والشعوب غير موفقة.

يعيش العالم اليوم بعد خمسة وسبعين عاماً من بزوغ أسمى ميثاق إنساني في متاهات لا حصر لها ولا أفق لمحددات مواجهتها والتخلص منها، وثمة من يقول إننا بحاجة إلى مقاربات مختلفة فيها الكثير من الواقعية والابتعاد عن عالم المثل التي غاصت فيها تلك المواثيق ولم تتمكن من تحقيق القليل القليل مما تطمح له البشرية.

إن اليوبيل الماسي للإعلان ينبغي أن يشكل حافزاً لإيجاد طرق بديلة لتجاوز المعاناة التي باتت لا تُطاق في كثير من المجتمعات، حتى في الدول الغنية قبل الفقيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2ka49jvz

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"