تجربة الديمقراطية المحلّية التونسية

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

تعيش تونس يوم الأحد 24 كانون الأول/ ديسمبر الجاري انتخابات المجالس المحلّية، وهي التجربة الأولى التي سيدعى فيها التونسيون إلى انتخاب ممثليهم من المحليات الصغرى، بعد أن كانت الانتخابات المحلية تقتصر سابقاً على الانتخابات البلدية.

والمهمّ في هذه التجربة السياسية الجديدة أنّ الناخبين سيقترعون على الأشخاص الأكثر قرباً منهم والذين يمكن أن يكونوا أصواتاً للدفاع عن مشاغلهم. وبالرغم من محاولات إحباط هذه التجربة الجديدة إلاّ أنّ عدد المترشحين قد بلغ 7777 مترشحاً سيتنافسون على نحو 2085 مقعداً، هي جملة المقاعد المخصصة ل279 مجلساً محلياً جديداً. وهذه المجالس ستقود في مرحلة قادمة إلى تنظيم انتخابات المجلس الوطني للجهات والأقاليم، والذي سيكون الغرفة التشريعية الثانية إلى جانب مجلس نواب الشعب.

صحيح أنه من المبكر الحكم على هذه التجربة وهي لم تكتمل أركانها بعد، غير أتها خطوة مهمة في مسار تحديث سياسي، يجعل العملية السياسية أكثر قرباً من المواطن ويحمله مسؤولية كبرى في المشاركة فيها. فهذه التمثيليات المحلية ستسند لها مهام البحث عن الحلول التنموية للجهات التي تعاني نقصاً حاداً في المشاريع الاستثمارية، وهذا يفرض آلياً أن هذه المجالس ستكون أداة حقيقية للمساهمة في خفض نسب البطالة إن تم حسن إدارتها والأخذ بأفكارها ومقترحاتها عندما يؤول الأمر للسلطة التنفيذية. ويمكن أن نوجز أبرز التحديات التي ستواجهها هذه المجالس في النقاط التالية:

- في أول اختبار لها ستكون هذه المجالس أمام تحدي «الواقعية السياسية» بعد أن يكون الناخبون قد فوضوها حلّ مشاكلهم. فهذه المجالس سيكون عليها تلبية مطالب الناخبين التنموية خصوصاً، لأنّ وظائفها تختلف عن طبيعة المجالس المنتخبة الأخرى. وهنا ستكون أمام مهمات صعبة في واقع الأمر لأنّه ستكون بين مطرقة الناخبين وسندان قدرتها على جلب الاستثمارات وتوفير الخدمات التي يقع إدراجها ضمن الوعود التي يتم الإعلان عنها في الحملات الانتخابية الجارية الآن.

- التحدي الثاني، سيكون في طبيعة هذه المجالس وقدرتها على الانسجام، وتوحيد خطابها ورفع تحديات المنطقة التي تمثلها من جهة، وقدرتها على فرض خياراتها التنموية على السلطات الجهوية والوطنية. خاصة إذا كان المركز لا يتماشى ومطالب هذه المحليات نظراً لطبيعة الظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد أو نظراً للخيارات التنموية الكبرى التي ترسمها الحكومة.

- التحدي الثالث، هو قدرة هذه المجالس على أن تكون فعلاً صوت الذين لا صوت لهم، والذين همشتهم الأنظمة التي جاءت بعد سنة 2011، والأنظمة التي سبقت ذلك التاريخ. وهذا تحدٍ كبير جداً، ورهان تاريخي لأنّه إن نجح سيكون مثالاً عن نظام سياسي جديد، يحقق التوجهات السياسية الجديدة في العالم والتي تسمى الديمقراطية الاجتماعية أو «الطريق الثالث». وإن نجحت هذه التجربة فمن الطبيعي أن تكون مثالاً يحتذى في المنطقة ويقع النسج على منوالها.

إنّ هذه التحديات تجعل الناخب التونسي أمام مسؤولية تاريخية، لأنّ نظريات التغيير السياسي ليست مجرد شعارات ترفع بل هي برامج واختبارات ميدانية، يكون الناخب هو العنصر الأكثر فاعلية في نجاحها أو فشلها، وعليه فإنّ محطة الرابع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول، هي محطة مفصلية، لا يجب على التونسيين تضييعها، بل عليهم التوجه إلى صناديق الاقتراع بكثافة أولاً، واختيار من يرونه قادراً على تمثيل أصواتهم، وتحقيق مطالبهم. ومن الضروري في هذه المحطة الانتخابية أن تدرك السلطة التنفيذية أنّها باتت أمام سلطات جديدة منتخبة وأكثر قرباً من «الشعب» الذي هو رمز سيادي في توجهات الرئيس قيس سعيّد. ومن واجب الحكومة الآن أن تغير مناهج العمل وتبتكر آليات جديدة للتعامل مع هذه التجربة السياسية الجديدة. أما إذا أصرت الحكومة على مواصلة التعامل بمناويل تنمية تقليدية، فإنّها ستساهم في إفشال هذه التجربة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/25ckhw5y

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"