كبسة زر

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

في عصرنا الحديث، لم تعد التكنولوجيا مجرد إضافة، بل صارت جزءاً من حياتنا اليومية لا يمكن تجاهله، وسط واقع بات مرهوناً بكبسة زر. امتد هذا التحول ليشمل حواراتنا، وتفضيلاتنا للطعام والشراب، واختيارات الملابس التي نرتديها، وحتى تفاصيل قصصنا ومعظم أنشطتنا وأعمالنا.
زمن سيطر التقدم الرقمي على جنباته، فانبثقت على إثره تساؤلات محورية حول مصيرنا الاجتماعي. أين اختفت بهجة اللقاءات والزيارات؟ ومتى خسرنا بهجة الأعياد والاحتفالات؟ وكيف فقدنا العمق الروحي الذي كان يميز لحظات التعازي؟!
اليوم كل شيء اختلف، حتى الحوار وجهاً لوجه بات أدباً منسياً، وسط عالم اختصر لغة الجسد لرسوم تعبر عن المشاعر برموز فارغة، قزّمت الإنسان ومسخته إلى آلة دون مشاعر. لم تعد لحظاتنا العائلية وسهراتنا تحمل رونق الماضي وألقه، فكل فرد مشغول بأجهزته الإلكترونية، ويكاد التواصل المباشر يكون محصوراً في المناسبات الخاصة، بينما نتحدث مع الآخرين بشكل رئيسي عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي!
حتى فترة الخطوبة، التي يفترض أن تكون مرحلة تعارف وشوق، صار التواصل الإلكتروني سمتها المميزة. والمدارس أيضاً لم تسلم من هذا التأثير، حيث أصبح التدريس بلمسة زر عن بعد، دون تفاعل مباشر بين المعلم والطلبة. أما الصحة فحدّث ولا حرج، إذ ازدادت معدلات السمنة عالمياً ثلاثة أضعافها منذ سبعينات القرن الماضي. كيف لا، وبكبسة زر تطلب وجبة مليئة بسعرات حرارية مهولة دون أن تحرك ساكناً؟!
وفي ظل هذا التقدم التكنولوجي المتسارع، تتسلط الأضواء اليوم على الآلات والروبوتات التي أصبحت قادرة على تصنيع كل شيء. لكن مع ذلك، لا يمكن لتلك الآلات أن تحل محل الإنسان، الذي ابتكر الآلة، وأبدع في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي. إن العودة إلى سلوك الإنسان الطبيعي، المليء بالفرح والمحبة، والألفة والتآلف، ضرورة تبدو أكثر أهمية من أي وقت مضى. يمكن للتكنولوجيا أن تكون شريكاً مهماً في حياتنا، ولكن يجب ألا نتخلى عن التفاعل الإنساني الحقيقي، وتحقيق الذات عبر الواقع الملموس.
فعلى الرغم من الفوائد الكبيرة التي تقدمها التكنولوجيا، إلا أنها لا يمكن أن تحل محل الفرح الأصيل النابع من الاتصال المباشر والعلاقات الإنسانية العميقة. 
بناء على ذلك، فإن التوازن بين العالم الرقمي والتفاعل الإنساني يخلق حياة أكثر تكاملاً. لذا، من الأهمية بمكان أن نتمتع بفوائد التكنولوجيا دون أن نفقد الاتصال الإنساني الذي يميزنا، ففي نهاية المطاف، يكمن سر سعادتنا في القدرة على التواصل والتفاعل بشكل حقيقي، حيث يمكننا أن نعيش حياة مليئة بالحميمية والقيم الإنسانية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4prtnz5v

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"