العداء الأفقي ومفارقة التشابه غير الكامل

21:38 مساء
قراءة 3 دقائق

د. راسل قاسم *

هناك نظرة سائدة في عالم الشركات والاقتصادات والأسواق، وهي أنها ساحات تزدهر فيها المنافسة. صحيح أن المنافسة في الغالب هي جزء طبيعي من وظيفة السوق، لكنها ليست ظاهرة صحية في المطلق، فأحد أشكال المنافسة غير الصحية ما يعرف بالعداء الأفقي، وهي ظاهرة منتشرة في مختلف القطاعات، لكن بشكل خاص في عالم الاقتصاد والأعمال.

العداء الأفقي هو مصطلح يُستخدم لوصف المواقف والسلوكيات السلبية التي يتخذها الأشخاص أو المؤسسات في المواقف الاجتماعية أو الاقتصادية المتشابهة تجاه بعضهم بعضاً؛ حيث يقع التمييز أو التنافس أو الكراهية بين المجموعات التي تشترك في نفس الخصائص أو الوظائف أو الأهداف. في سياق الأعمال، يمكن أن يظهر هذا كعداء بين الشركات التي تنتمي إلى نفس الصناعة أو الموقع الجغرافي أو قطاع السوق.

إذا ما نظرنا إلى شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون مثلاً، نلاحظ أن ثقافة المنافسة الشرسة، أدت إلى العديد من الدعاوى القضائية بشأن حقوق الملكية الفكرية، والاستيلاء على المواهب، والممارسات التجارية غير الأخلاقية. على الرغم من أن هذه الشركات تعمل على تحقيق أهداف مشتركة مرتبطة بالابتكار والتطوير التكنولوجي، لكننا نجد على الرغم من ذلك أن علاقاتها مشوبة بجو من العداء.

الأمر الذي يدعو إلى التوقف، أن العداوة الأفقية تزداد لدى المجموعات الأكثر تشدداً والتي تلتزم بقواعد وقوانين صارمة. قامت إحدى الدراسات بتقييم جماعة من النباتيين الصرف، وجماعة أخرى من النباتيين الذين لا يأكلون اللحوم، لكنهم يأكلون بعض المنتجات الحيوانية مثل البيض والألبان والأجبان. وجدت الدراسة أن النباتيين الصرف (المجموعة الأولى)، قد أظهرت 3 أضعاف التحامل الذي أظهره النباتيون (المجموعة الثانية)، وذلك بالمقارنة مع التحامل اتجاه الناس غير النباتيين، حيث وصف النباتيون الأكثر تطرفاً النباتيون المعتدلون بأنهم غير مخلصين لمبادئهم، وأنهم لو كانوا كذلك فعلاً لامتنعوا عن أكل المشتقات الحيوانية.

إن حساسية التشابه غير الكامل قد لفتت نظر العديد من المفكرين وعلماء النفس، فمثلاً وصفها عالم النفس الشهير سيغموند فرويد ذات مرة قائلاً إن «الفروق الدقيقة بين الناس هي من يخلق شعور الغرابة والعداوة بينهم».

هناك عدد من الأسباب وراء حدوث العداء الأفقي في الأعمال والاقتصاد، أحد الأسباب هو أن الأشخاص الذين يشغلون مناصب مماثلة قد يتنافسون على نفس الموارد، مثل الوظائف أو الترقيات أو العملاء. هذا يمكن أن يؤدي إلى مشاعر الاستياء والغيرة، والتي يمكن أن تظهر في شكل عداء، كذلك يمكن أن يكون للأشخاص في المواقف المماثلة قيم أو معتقدات مختلفة، ما يؤدي إلى الصراع والتوتر.

يمكن أن يؤثر العداء الأفقي بشكل كبير على بيئة الأعمال. لا تقتصر هذه التأثيرات في الأطراف المعنية بشكل مباشر؛ بل يمكن أن تمتد أيضاً إلى المستهلكين والقطاعات وصولاً إلى الاقتصاد. فهذا النوع من التعارض يقلل إمكانية التعاون بشكل كبير، ما يخنق الابتكار والتطوير، ويعرقل الرشاقة في الأداء. كما أنه يؤثر سلباً في ثقة العملاء وولائهم، ناهيك عن زيادة التكاليف التشغيلية واستنزاف الموارد وتقليل الكفاءة. وفي بعض الحالات، يمكن أن يصل الأمر إلى خلق حالة من الاستقطاب في الأسواق عند طلب الشركات من أصحاب المصلحة اتخاذ موقف معين، الأمر الذي يسبب تقسيماً غير طبيعي للسوق.

لمعالجة تحدي العداء الأفقي ولعنة التشابه غير الكامل، من الضروري إجراء نقلة نوعية في الطريقة التي تنظر بها المؤسسات إلى علاقاتها مع المنافسين. فيجب أن تقوم هذه العلاقة على مزيج من التعاون والمنافسة، من خلال هذا النهج تعمل الجهات معاً في جوانب معينة بينما تتنافس على جوانب أخرى.

كذلك يجب احترام حقوق وحدود المؤسسات الأخرى، وهذا يشمل ضمان ممارسات التوظيف العادلة، واحترام حقوق الملكية الفكرية، والامتناع عن حملات التشهير. وفي حالات أخرى يمكن لحلول الوساطة وحل النزاعات المحترفة الوصول إلى حلول تعود بالفائدة على الأطراف المتنازعة. ويبقى هناك دور كبير يمكن لواضعي السياسات أن يقوموا به من خلال وضع وتطبيق السياسات واللوائح التي تشجع المنافسة الصحية وتمنع الممارسات العدائية.

يبدو أن ما يقال في المجتمع بأن المقارنة هي وقود التعاسة، يصح جزئياً في الاقتصاد بأن العداء الأفقي هو وقود التراجع.

* خبير إداري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/437tpa88

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"