تونس تتجه شرقاً

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

خلال ما يزيد على السنتين، عانت تونس شبه حصار مالي واقتصادي غربي، بدأ بتعطل المفاوضات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، وانتهى بفشل اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين تونس والاتحاد الأوروبي الذي تم توقيعه في صيف 2023.

في يوم واحد استقبل الرئيس قيس سعيد، وزيري خارجيتي روسيا وإندونيسيا، وتم الحديث عن شراكات اقتصادية واسعة تحتاج إليها تونس للخروج من أزمتها الاقتصادية. وبعدها بأيام استقبلت تونس وفداً سعودياً رفيع المستوى في إطار اجتماعات اللجنة الثنائية المشتركة التي تحمل في طياتها أكثر من دلالة حول مواصلة المملكة دعم تونس في كل المجالات، حيث أكد وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف عزم بلاده على إطلاق مشاريع جديدة، وتحفيز رجال الأعمال والمستثمرين على تعزيز حضورهم في تونس، في ظل ما تشهده تونس من إصلاحات من شأنها إعادة الثقة بالبيئة الاستثمارية فيها.

ففي إطار العلاقات مع روسيا، يمكن القول إن تونس تخطت ما يمكن تسميته بالخطوط الحمراء في ما يخص العلاقات مع روسيا، فزيارة سيرغي لافروف إلى تونس تعتبر تاريخية بكل المقاييس، لأنها كانت مبرمجة قبل نحو سنة، وتونس طلبت تأخيرها لأنها كانت تدرك أن شركاءها الغربيين ينظرون إلى هذه الزيارة بكثير من الريبة. وهو أمر أكده الدبلوماسي التونسي نجيب حشانة الذي قال إن هذه الزيارة لن تمر دون مطبات. ووزير الخارجية الروسي قال في تصريح له: «إن روسيا لا تأخذ مكانة أحد» في إشارة إلى شركاء تونس الأوروبيين والأمريكيين، ولكن واقع الأمر يؤكد عكس ذلك، ففي خضم الأزمات يعرف الصديق من غيره، وروسيا عبّرت بل أمدت تونس بحاجياتها من الحبوب بعد موسم حصاد ضعيف، نتيجة حالة الجفاف المستمرة منذ سنوات. والاتفاقيات التي تم إعلانها والتي سيتم التوقيع عليها في موسكو خلال اجتماعات اللجنة العليا المشتركة التونسية الروسية نهاية شهر يناير/ كانون الثاني أو بداية فبراير/ شباط، ستكون هي المحدد لتوجهات تونس المستقبلية، وما إذا كانت ستخرج من جبّة الهيمنة الغربية التي استمرت منذ الاستقلال إلى الآن. وقد سبق منذ أشهر أن حذر مسؤولون غربيون، وعلى رأسهم وزير خارجية إيطاليا أنطونيو تاياني، الذي قال في شهر إبريل/نيسان 2023، إن هناك «حاجة إلى وجود سياسي ومالي للولايات المتحدة وأوروبا» في تونس التي تعاني وضعاً اقتصادياً صعباً، وفق تقديراته. مضيفاً: «الخطأ الذي يجب ألا يرتكبه الغرب، وقد قلته أيضاً لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، دعونا لا نترك تونس بين أيادٍ روسية أو صينية»، في إشارة إلى تعثر المفاوضات بين السلطات التونسية وصندوق النقد الدولي. ولكن يبدو أن إصرار الغرب على تهميش تونس قد دفعها في النهاية إلى التوجه نحو موسكو بحثاً عن مصالح مشتركة وعن تنوع في الشراكات. وضمن هذا الخيار التونسي، تأتي زيارة وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مرصودي، التي وجهت دعوة لقيس سعيّد لزيارة جاكرتا، وإذا ما تمت هذه الزيارة ستكون الأولى لرئيس تونسي منذ زيارة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة قبل نحو نصف قرن.

هذه الخطوات مهمة جداً للدولة التونسية التي عجزت عن تأمين احتياجاتها المالية من الشركاء التقليديين الذين فرضوا عليها شروطاً صارمة لا يمكن تنفيذها على أرض الواقع. صحيح أن هذه التوجهات الجديدة لن تثمر قريباً، وأن مفاعيلها تتطلب مزيداً من الوقت، ولكنها مؤشرات جدية على أن تونس لن تقف مكتوفة الأيدي وحبيسة السياسات الغربية التي لا تراعي خصوصيات المجتمع التونسي ومتطلبات الدولة التونسية. الرهان على الشرق، حيث المال والتكنولوجيا والغذاء، هو مصلحة تونسية، ولكنه أيضاً مصلحة الشركاء الجدد الذين كلما ازداد عددهم وزياراتهم إلى تونس تصاعد التبرم في الغرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mts87hxm

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"