الإنسان والحرب

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

حين تقرأ عن ضحايا الحروب التي خاضها الإنسان ضد أخيه الإنسان (دولة ضد دولة)، أو الذي خاضها الإنسان ضد نفسه (الحروب الأهلية)، ستصاب بذعر كبير. وحين تقرأ عن أسباب تلك الحروب ستصاب بذعر أكبر، وستكتشف، أو ستصل إلى نتيجة صادمة، هي أن روح الإنسان لا قيمة لها على الإطلاق، وستكتشف أيضاً أن إنجازاته وحضارته لا قيمة لها في عرف المتحاربين، أو بشكل أدق في أذهان قادة الحروب. ولم يشهد التاريخ محاكمة لهؤلاء الذين تسببوا بموت وجرح مئات الملايين، إضافة إلى تدمير المصانع والمنشآت، وحرق السهول وتلويث المياه والهواء، وأظن أن العالم يجني اليوم ما ارتكبه قادته من حماقات خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما بينهما وبعدهما من حروب أهلية طاحنة، من مشاكل في المناخ، وذلك نتيجة الأدخنة السامة واستخدام السلاح الذري والكيميائي.

أتحدث عن ضحايا الحروب لأننا (في العالم) نشعر بعلامات وأعراض حروب إقليمية ستؤدي إلى حرب عالمية، وهي ذات الأعراض والعلامات التي أدت إلى نشوب حربين عالميتين، ومنها إثبات الوجود، والدفاع عن الوجود، ومنها إعادة الاعتبار إلى الأمم المهزومة، ومنها الدفاع عن الدين والقومية، ومنها التحرر من الاستعمار أو التخلص من القيود التي تفرضها دول ضد دول أخرى.

ومن بقي حياً من قادة وسياسيي الحرب العالمية الأولى سيعلم أن لا نتائج حاسمة تحققت، لأن هذه النتائج تبدّلت فيما بعد، وما لم يتبدل عملت الحرب العالمية الثانية على تبديله أو تغييره، فهل نحتاج إلى حرب عالمية ثالثة لتغيير أخطاء الحربين العالميتين الأولى والثانية، مثل وعد بلفور الذي مهّد لإقامة دولة لليهود في فلسطين، ثم أصبحت الدولة دولتين، ثم تجري الحرب الآن إما لتأكيد الدولتين أو هزيمة لواحدة، ما يعني أن لا شيء يثبت كنتيجة للحرب، لكن ما يدوم أكثر هي نتائج السلام، وإن تبعها حروب ومشاكل.

أجد لزاماً عليّ أن أذكر أنه بلغ عدد ضحايا الحرب العالمية الأولى 8 ملايين ونصف المليون إنسان، أما ضحايا الحرب العالمية الثانية، وبسبب تمدّدها من أوروبا إلى الوطن العربي، وإلى إفريقيا وآسيا وأستراليا والولايات المتحدة، فقد كان ضحاياها أكبر بكثير من الحرب العالمية الأولى، وكذلك بسبب تطور الأسلحة ولا سيما السلاح الذري الذي استخدمته الولايات المتحدة ضد اليابان ما أدى إلى استسلامها وإنهاء الحرب.

وقتلت الحرب العالمية الثانية نحو 62 مليوناً بين عسكري ومدني من مختلف الدول المتحاربة، فضلاً عن تدمير المصانع وتوقف الإنتاج وزيادة البطالة والكساد الاقتصادي. ولم يتعظ الإنسان من تلك الحروب، فساهم في حروب أخرى ثنائية أو أهلية، ولا يزال حتى اليوم يتخذ من القوة وسيلة لحل المشاكل السياسية، ما يمكن اعتباره غباءً استراتيجياً، ولو واصل اتباع هذه الاستراتيجية فإنه سيتعرض ربما للفناء، لأن دول العالم تكتنز أسلحة يمكنها تدمير ضعفي حجم ومساحة الكرة الأرضية.

أعلم أن ثمة عاطفة لا تختبئ خلف الكلمات بل تجاورها، وأعلم أنه من السذاجة القول إن الإنسان كلما تقدّم كلما أصبح أكثر تغوّلاً وعدائية وتدميراً لذاته، وهنا تناقض كبيرٌ في الذات، إذ أعني بالتقدم توصّله لقوانين في الحرية الشخصية والجماعية، وقوانين تؤكد عدم الاعتداء ولا شرعيته، وقوانين أخرى تحمي الإنسان المدني في أوقات الحروب، إلا أنه ما أن تنشب الحرب حتى تُستبدل كل تلك القوانين بشريعة الغاب: البقاء للأقوى. ترى هل يعاني الإنسان انفصاماً ما، ربما حاد في بعض جوانبه، أم أنه يستلذ بالقتل ويستمتع بتهجير الشعوب وخلق الأزمات؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/br3acu72

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"