أوروبا تواجه الدولار

21:39 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة*

للدولار القوي تأثير كبير في الولايات المتحدة كما على أوروبا. الصادرات الأمريكية تتأثر سلباً، لكن الواردات تصبح أرخص، وبالتالي يتأثر الميزان التجاري الأمريكي سلباً. للدولار القوي تأثيرات سلبية إضافية على الاقتصاد الأمريكي، إذ يصبح الإنتاج في الداخل مكلفاً أكثر كما أن السياحة تتأثر سلباً. من ناحية الاقتصاد الدولي، ولأن معظم التجارة محرر بالدولار، تتأثر التجارة سلباً بالدولار القوي. ارتفاع الدولار يضرب اقتصادات الدول النامية والناشئة، لأن تجارتها كما ديونها محررة بالدولار، والأهم أن وارداتها الغذائية كما النفطية محررة به أيضاً.

يتأثر القطاع الخاص الدولي سلباً، لأنه يقترض بالدولار، فيصبح ثقل الدولار أكبر أو موجعاً أكثر. تتأثر الشركات الدولية في أرباحها العالمية بقوة الدولار مثل «أبل» و«كوكاكولا» و«ماكدو». من الممكن أن تحول هذه الشركات استثماراتها نحو الداخل، أي مثلاً إلى أسهم شركات الخدمات العامة، كالكهرباء والمياه التي تصمد في ظروف كالتي نعيش معها. فالمستهلك لا بد أن يسدد فاتورة الخدمات العامة، كما أن هذه الشركات توزع أرباحاً أكثر بسبب أفضليات ضرائبية تمنح لها. هنالك أيضاً قطاع العقارات الذي يجذب ويعتبر حمائياً للمستثمرين. حقيقة، لا شيء يحمي كلياً المستثمر في ظروف دقيقة وخطيرة كالتي نمر بها، إنما يمكن تخفيف الخسائر والتعويض جزئياً.

يمكن للنتائج الاقتصادية أن تتغير مع ما يجري في السياسة، كما في العلاقات العامة المرتبطة بالحربين الأوكرانية والغزاوية وبكافة الصراعات الحارة. في دول الوحدة الأوروبية ومنطقة اليورو، يسعون إلى تنفيذ سياسات ثلاثة مترابطة. أولاً، وضع سقف على سعر الطاقة المستوردة يعني إما فرض سعر على المصدر أو دعم الفارق بين سعر الواردات وسعر المبيع للمستهلك. في الحالتين المشكلة قائمة. في الأولى، ليس مؤكداً أن المصدر سيقبل بوضع سقف، خاصة أن العالم يحتاج إلى المادة، والطلب موجود عالمياً. في الحالة الثانية، تقوم بعض الدول بنوع من الدعم لكن الاستمرار به أو توسيعه سيكون مكلفاً جداً ويشجع على الهدر والتبذير. انخفضت أسعار النفط العالمية مع بداية التباطؤ الاقتصادي العالمي، لكن قرار تخفيض الإنتاج بدأ من 2023، من قبل أوبك بلاس، يدفع بالاتجاه المعاكس.

ثانياً، فرض تقنين على استهلاك السلع المستوردة، من الممكن أن يتحقق مع الطاقة وأصعب بكثير مع السلع الغذائية والأدوية. بدأت الدول الأوروبية بالتقنين الطوعي أي طلبت من المواطنين تخفيف مجموع الاستهلاك، وهنالك مؤشرات على حسن التجاوب. أما إذا لم يحصل التجاوب كما هو ضروري، من الممكن أن تقنن الحكومات قسراً، أي تقطع الكهرباء لساعات في النهار والليل، وصولاً إلى الهدف.

هنالك حل ثالث، وهو فصل تسعيرة الكهرباء كلياً عن سعر المصدر أو الغاز تحديداً، وبالتالي تدعم الدولة الفارق أو تستفيد منه تبعاً للأرقام. هذا يريح المواطن ويبعده عن تقلبات البورصة، لكنه يمكن أن يكون مكلفاً للموازنات العامة إذا توسع الفارق. يكمن الحل حتماً في تنويع الاستثمارات أكثر باتجاه الطاقات النظيفة المتنوعة.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4d4fs2cs

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"