المستقبل لا يتحقق بالتمني

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

في مفتتح كل سنة جديدة، تكثر الأمنيات بأن تكون هذه السنة أفضل وأكثر إيجابية على الأفراد والمجتمع، ولكن المستقبل لا يبنى على الأمنيات، بل على المنجزات السابقة والعوامل التي يتم توفيرها من أجل أن يكون الغد أفضل، قولاً وفعلاً.

علينا التوقف عن العيش على التمنّي لأنّ التمني في اللغة العربية يعني أصلاً الشيء الذي يصعب تحقيقه، أو يستحيل تحقيقه. بل يجب علينا العمل، والعمل الجادّ والجيّد من أجل أن يكون مستقبلنا مشرقاً. ورغم الظروف الصعبة التي تحف بنا، محلياً و دولياً، فإنّ هناك نقاط ضوء تظهر في الطريق، وهي التي علينا أن نراكم عليها، ونعمّقها حتى نستفيد منها. فعلى سبيل المثال، بدأت تونس تخطط لشراكات أوسع من دون أن تلغي شراكاتها القديمة، وهذا ما يطالب به الكثير من الخبراء، منذ سنوات. فالاستناد إلى شريك واحد احتكر إلى حد كبير كل العلاقات، التجارية والاقتصادية والمالية، هو توجه كان لا بدّ من تعديله، لأن تونس خسرت فيه الكثير من الموارد، ولم تستفد منه بالشكل الذي يحقق لها التقدم والازدهار.

ومن هنا تأتي أهمية تعميق الشراكات مع القوى الدولية، مثل روسيا والصين وإندونيسيا التي هي عضو في مجموعة العشرين، ما يفتح المجال أوسع في مجالات الاستثمارات. فالاتفاقيات التي تم إعلانها، والتي سيتم التوقيع عليها في موسكو، خلال اجتماعات اللجنة العليا المشتركة التونسية الروسية نهاية شهر يناير/ كانون الثاني، أو بداية فبراير/ شباط، ستكون هي المحدد لتوجهات تونس المستقبلية، وما إذا كانت ستخرج من جبّة الهيمنة الغربية التي استمرت منذ الاستقلال إلى الآن.

وهذه الخطوات مهمة جداً للدولة التونسية التي عجزت عن تأمين احتياجاتها المالية من الشركاء التقليديين الذين فرضوا عليها شروطاً صارمة لا يمكن تنفيذها على أرض الواقع. صحيح أن هذه التوجهات الجديدة لن تثمر قريباً، وأن مفاعيلها تتطلب مزيداً من الوقت، ولكنها مؤشرات جدية على أن تونس لن تقف مكتوفة الأيدي، وحبيسة السياسات الغربية التي لا تراعي خصوصيات المجتمع التونسي، ومتطلبات الدولة التونسية. الرهان على الشرق، حيث المال والتكنولوجيا والغذاء، هو مصلحة تونسية ولكنه أيضاً مصلحة الشركاء الجدد الذين كلما ازداد عددهم وزياراتهم إلى تونس، كان ذلك أفضل لمستقبل تونس، شريطة أن تُبنى الشراكات الجديدة، أو التي سيتم تفعيلها وتعميقها، على قواعد جديدة، أولاها أن تكون مصلحة تونس والعلاقة الأفقية مع الشركاء هي الأساس لأيّ تعاملات.

والحقيقة أنّ تونس بإمكانها أن تراهن على مواردها، وكفاءتها، وأن تكون لاعباً مهماً في قطاعات استراتيجية، مثل الصناعات الميكانيكية التي من المنتظر أن تحقق في نهاية هذه السنة قيمة 71 مليار دينار (أكثر من 23 مليار دولار)، كصادرات، وهذا يمكن أن يتدعّم لو تم اعتماد الشروط نفسها التي وضعت سابقاً عند توريد السيارات الأوروبية، وأهمها تصنيع قطع الغيار. فتخيلوا كيف ستكون قيمة هذه الصناعات لو تم الاهتمام بالسيارات الآسيوية التي بدأت تغزو الأسواق، التونسية والعربية والإفريقية.

المستقبل هو نتيجة حتمية لاستثمار الفرص المتاحة وتحويلها إلى طاقات إنتاجية هائلة، تقضي على البطالة وتوفّر أسس العيش الكريم. وهذا متاح لتونس، ولغيرها من الدول العربية ذات الموارد الضخمة، والإمكانات البشرية الشبابية التي لا تقدر بثمن.

وكل الدول التي هي الآن في قمة التفوق الحضاري لم تكتف بالدعاء والتمنيات، بل عملت، ووضعت شروط النجاح واستثمرت ما لديها من فرص وإمكانات محلية وعلاقات خارجية قائمة على المنافع المتبادلة. وهذه بعض شروط صناعة المستقبل، ومن دونها نظل نجترّ الأمنيات من دون أن نغيّر الواقع قيد أنملة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3mnc7chy

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"