عادي

استر على نفسك وعلى غيرك

23:41 مساء
قراءة دقيقتين
1
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

من الآداب الشرعية التي علمنا الإسلام إياها، أن إذا وقعنا في معصية لا نفضح أنفسنا، بل نسارع إلى الله بالتوبة والإقلاع عن المعصية، ونرجو الله أن يتوب علينا.

لكن ما يحصل في المجتمعات أن بعضهم يرتكب فاحشة من الفواحش ثم يخبر بها الآخرين، ومعروف بدهياً أن الذنب إذا كان يترتب عليه حق لله أو للعباد وبلغ القاضي وجب عليه إصدار الحكم ومن ثم تنفيذه ولا تراجع.

أما لو بقي بينه وبين الله ولم يطّلع عليه أحد ثم تاب وندم، فيرجى من الله أن يتوب عليه طالما تاب توبة نصوحاً.

فعن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فنزل قوله تعالى: «وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين» الآية 144 من سورة هود.

فقال الرجل: ألي هذه يا رسول الله؟ قال: لمن عمل بها من أمتي. رواه مسلم.

وعن سعيد بن المسيب أن رجلاً من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، فقال له: إن الآخر زنى، فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟ فقال: لا، فقال له أبو بكر: فتب إلى الله واستتر بستر الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده. رواه مالك في الموطأ.

أقول: يعلمنا الشارع الحكيم أننا إذا وقعنا في معصية أو ارتكبنا ذنباً عظيماً ألا نفضح أنفسنا، بل ولا نفضح غيرنا أيضاً إذا علمنا أنهم ارتكبوا معصية في مكان ما.

يقول ابن حجر بعد أن يذكر حديث سعيد بن المسيب الرواية الثانية التي تقول بأن الرجل ذهب إلى عمر بعد أبي بكر، رضي الله عنهما، فأعرض عنه عمر ثلاث مرات.

يقول تعليقاً على الحديث بأنه يستحب أن يستر غيره كما يستر نفسه ولا يفضحه ولا يرفعه إلى الحاكم.

وقد قال الإمام الشافعي: أحب لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب، انظر: فتح الباري ج15- ص133-135.

ويقول ابن الجوزي في كتاب أحكام النساء: إذا زنت المرأة وجب عليها أن تتوب مما فعلت، وتتعلل على زوجها فتمتنع من أن يقربها إلى أن تستبرئ نفسها. انظر: الكتاب ص67.

وعن الإمام أحمد قال: من فجر بامرأة ذات بعل ولم يكن الزوج قد اطلع على ذلك، فلا تعلم زوجها بل تستر على نفسها وتتوب وتستغفر ولتهب صداقها لزوجها. انظر: كتاب أحكام النساء لابن الجوزي ص37.

أقول: لا يعني هذا أن تفعل المرأة ما تريد ثم تذهب مع البعل في كلّ مرّة إلى مثل هذا التستر، فيرتكب الفاحشة ثم يقول أتوب، كلّا.

إن الله تعالى لا يحب المجاهرة بالمعصية، ولا يحب من يصرّ على المعصية، والقاعدة أنه لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار، فالإصرار على الذنب ذنب آخر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/b3my4azs

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"