القاهرة: بسيوني الحلواني
اختلطت مفاهيم التدين بالتطرف في أذهان بعض الناس، وأصبحت هناك محاذير نفسية في التعامل مع بعض الأشخاص نتيجة الفهم الخاطئ للتدين، وتأثيره على حياة الإنسان وأسلوب تعامله مع المحيطين به، لأن البعض يعادون مباهج الحياة، ويفرضون على أنفسهم ومن هم تحت ولايتهم حياة جافة كئيبة، نتيجة فهمهم الخاطئ للتدين، ما يعكس صورة منفرة عنهم وعن المتدينين.
يقول د.محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية المصري: «فارق كبير بين التدين الصحيح المستقى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما يفعله أدعياء التدين من سلوكيات جامدة، وما يعتقدونه من أفكار متشددة لا علاقة لها بسماحة الإسلام واعتداله من قريب أو بعيد».
ويضيف: «المشكلة ليست محصورة في سلوك الذين فهموا الدين خطأً، بل في محاولاتهم المتكررة نشر أفكارهم المتطرفة بين الناس، ولذلك يجسدون في سلوكهم وأفكارهم وكل ما يصدر عنهم صورة منفرة للدين، بل ينشرون الكآبة في النفوس، ويقتلون روح الأمل والطموح، ويشيعون الزهد السلبي بين شباب الأمة، ولا شك أن الإسلام يرفض ويدين هذا التدين الشكلي، ويحذر منه؛ فالإسلام دين عمل وأمل وطموح، ويقود الإنسان إلى حياة كلها سعادة وبهجة، ولا يحرم الإنسان من الطيبات مهما كثرت وتنوعت».
ويخاطب د.جمعة الدعاة الذين ينشرون المشاعر السلبية بين الجماهير: «أقول لهؤلاء وهم قلة: عودوا إلى تعاليم القرآن الكريم الذي أمرنا بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلة المخالفين والمعاندين بالتي هي أحسن، كما ينبغي على كل دعاة الإسلام أن يتأسوا برسول الله صلوات الله وسلامه عليه الذي ترجم في مسيرته الدعوية قول الحق سبحانه: «وَقُولُوا للنّاسِ حُسْناً»، حيث لا يمكن أن تكون رسالة العلماء والدعاة هي العسر، أو المشقة على الناس، ولا يمكن أن تكون وجوههم عابسة في وجوه خلق الله كما نرى في سلوك البعض، الإسلام دين الأمل والتفاؤل والرحمة والسماحة، والسماحة هي التي غلفت رسالة الإسلام الذي بعث الله بها محمداً رحمة للعالمين فقال: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، فالإسلام لا يعرف إلا الوجوه السمحة الباسمة، والتي هي مناط الأمل في الدعوة الحكيمة الراشدة وهي التي تبشر ولا تنفر، وتيسر ولا تعسر، وتقرب الناس إلى دين الله وتحببهم فيه، لا تبعدهم عنه ولا تنفرهم منه».
ويقول د.جمعة: «عيشوا حياتكم كما أرادها الله لكم، عبادة وسعي ورضا وقناعة، ولا تنشغلوا طوال الوقت بمطالب الدنيا وشهواتها، فهذا الانشغال الذي يسيطر على الكثيرين يجعل الإنسان يعيش دائماً في غمٍّ ونكد، نتيجة عدم الرضا بما قسمه الله، والتطلع الدائم إلى ما في أيادي الآخرين، ولذلك علينا أن نهتم بالتربية الإيمانية الصحيحة التي تقوم على الرضا والقناعة، والثقة في عطاء الله عز وجل وحكمته، وبيان أن ما كان للإنسان سوف يأتيه، وأنه لن تموت نفس حتى تستوفي أجلها ورزقها».
وتابع: «علينا التأسي بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحياة أزواجه وأصحابه وتابعيه الذين لم تكن الدنيا أكبر همهم، ولم تأخذ من حياتهم فوق ما تقوم به أسس هذه الحياة، فرغد الحياة واستقرارها ليس بكثرة الطعام والشراب، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة؛ فثلثٌ لطعامه وثلثٌ لشرابه وثلثٌ لنَفَسِه»، فليس لك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، ومن هنا دعا الإسلام إلى البعد عن كل مظاهر الترف والإسراف والتبذير، ودعا إلى التراحم والتكامل، وتحقيق الأمن المجتمعي لكل أبناء المجتمع، وقد قال الإمام علي رضي الله عنه: «ما جاع فقير إلا بشحّ غني، فإن وجدت فقيراً جائعاً فاعلم أن هناك غنياً ظالماً لا يتقي الله في ماله، ولا يعرف له فيه حقه».
روح الأمل
يرصد د. على عثمان شحاتة، رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر مخاطر ما يردده دعاة اليأس والإحباط من مفاهيم مغلوطة وما يرسمونه من صورة حياة سوداوية في أذهان الأجيال الجديدة من المسلمين، ويقول: «هؤلاء يشكلون خطراً على عقول ونفوس أطفالنا وشبابنا، فهم يقتلون روح الأمل والطموح في نفوس الأجيال الجديدة المنوط بها الانتقال بالأمة من حالة الركود الحضاري إلى آفاق التقدم والنهضة، واستعادة أمجادنا الحضارية».
ويضيف: «نؤكد أن الإسلام دين حياة ونهضة، وتقدم حضاري، وعمل وإنتاج دائم، ويغرس في المسلمين حياة الكفاح والطموح والمنافسة الشريفة للارتقاء بواقعهم وواقع المجتمع الذي يعيشون فيه، ومن هنا فإن الزهد في الدنيا والابتعاد عن مطالب الحياة الدائمة والمتجددة ليس مطلباً دينياً، بل هو سلبية وركود واستسلام يرفضه الإسلام ويدينه».
ويؤكد د. شحاتة أن الالتزام الديني لا يفرض على المسلم حياة جافة وكئيبة ولا يحرمه من الطيبات كما يفهم بعض المتدينين، وفهمهم بالتأكيد خاطئ، ويقول: «الإسلام لا يعادي الحياة، ولا يحرم المسلم من متعة نافعة ومفيدة من متع الدنيا، فهو يحث المسلم على النظافة والتجمل والاستمتاع بكل ما في الكون من أدوات ومظاهر للجمال، ويحث المسلم على الاستمتاع بكل الطيبات، وعلى كل متدين أن يقتدي في حياته العامة والخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسولنا الكريم- وهو المثل الأعلى في التدين والالتزام والجدية يؤكد أن التدين في جوهره «سر بين العبد وربه»، هو التزام ديني وأخلاقي قبل أن يكون مظهراً شكلياً، فالتي ترتدي الحجاب ولا تصلي ولا تصوم ولا تلتزم بالآداب والأخلاقيات الإسلامية الفاضلة لا يمكن أن تكون متدينة، وهناك كثير من الناس رجال ونساء متدينون وملتزمون دينياً وأخلاقياً يحسبهم الجاهل المهتم بالمظاهر الشكلية بعيدين عن التدين لأنهم يعيشون حياتهم على نحو عادي في ملبسهم ومطعمهم ومسكنهم، ولكنهم لا يؤذون أحداً، وملتزمون بواجباتهم الدينية دون نفاق أو اهتمام بالشكل على حساب الجوهر».
مفهوم واسع
يقول د. أسامة الحديدى، مدير مركز الأزهر للفتوى الإلكترونية عن المفاهيم الخاطئة التي لا تزال عالقة بأذهان وعقول بعض المتدينين الذين يعتقدون أنهم خلقوا للعبادة، ولا يهتمون بأعمالهم وواجباتهم الدنيوية، انطلاقاً من الفهم الضيق للعبادة في قول الحق سبحانه «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»: «الإسلام عبادة وعمل وتعمير للأرض، فالعبادة المقصودة في الآية الكريمة ليست بالمفهوم الضيق للعبادة الذي يتصوره كثير من الناس، فمفهوم العبادة هنا أوسع وأشمل، ويندرج تحته كل الأعمال التي يقوم بها الناس في مختلف الحرف والمهن، طالما أن هدفها هو تقديم الخير للناس، والإسهام في تقدم الحياة وازدهارها، والإخلاص في ذلك كله لله عز وجل، فالمعنى الواسع للعبادة يشمل الالتزام بكل ما أمر الله به، واجتناب كل ما نهى الله عنه، ويدخل في ذلك كل ما يتعلق بصلة الإنسان بنفسه وبالله، وبما يشتمل عليه هذا العالم من بشر وكائنات حية وغير حية».