الجودة أم العدد؟

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.باسمة يونس

لطالما تخيّلت أنه يمكنني الاعتماد على قوائم الكتب الأفضل مبيعاً لاختيار قراءاتي، إلى أن أدركت أن لجنة مكونة من بضعة أفراد، في صحيفة أو مكتبة، تتخذ قرار اختيار هذه الكتب.

وعلى الرغم من تنويع أسلوب اختيار تلك القوائم، أو معايير جمعها بهدف تحجيم الشكوك حولها، لكنها في الواقع لا تصدق، فلا توجد قائمة فعلية لأفضل الكتب مبيعاً، لأنها ببساطة لا تستطيع قياس ذلك، إضافة إلى أن بعض الكتّاب والناشرين قد جعلوها قوائم تسويقية، وغير جديرة بالثقة.

وتصل بعض الكتب إلى قائمة الأكثر مبيعاً، من دون الاعتماد على مقومات الكتابة، أو شروطها، بل عندما تبيع عدداً كبيراً من النسخ، في غضون فترة زمنية معينة يحددها أصحاب القائمة، أو بسبب الترويج لها من قبل مصادر معتمدة في مجال النشر، كما تنجح الكتب التي تزداد الطلبات عليها، أو تكثر كتابة المراجعات لها، أو ترتفع نسبة مبيعاتها إلكترونياً، في الوصول إلى هذه القائمة بسهولة.

ويلعب تواتر التغييرات التي تجري على قائمة أفضل الكتب مبيعاً، دوراً في التأكيد على أن القوائم، رغم كل شيء، لا تضمن النجاح على المدى الطويل، أو الإشادة النقدية للكتب، حيث يمكن أن تتقلب شعبية الكتاب، وتتغير تماماً بمرور الوقت، عدا عن اختلاف أعداد النسخ المباعة لضمان الوصول إلى هذه القوائم بحسب المصدر.

وبشكل عام، يمكن أن يتأثر وضع الكتاب على قائمة أفضل الكتب مبيعاً بعوامل مختلفة، مثل موضوع الكتاب، وشعبية المؤلف، وجهود التسويق المتواصلة التي تقوم بها مواقع بيع الكتب، أو الصحف، ولكن في نهاية المطاف لا تعبر معظمها عن شيء، عندما ندرك أن الكتاب يصبح أكثر الكتب مبيعاً بناء على قرارات مسبقة، أو خطة تسويقية لبيع كتب محددة. وتبرهن تجارب كثيرة في الماضي، أن كتباً غير متوقعة تستطيع الاستحواذ على قمة القوائم لفترة طويلة جداً، مثل رواية «ويليام بلاتي» التي تدعى (طارد الأرواح الشريرة)، والتي على الرغم من استبعادها مراراً من أهم الصحف في ذلك الوقت، بسبب إثارتها للجدل، لكنها باعت ما يزيد على العشرة ملايين نسخة، ثم تحولت إلى فيلم.

ومن اللافت للانتباه مؤخراً، ظهور بعض المواقع المتخصصة، وتزايد أعداد المستشارين المتخصصين في تقديم الإرشادات للإجابة عن سؤال يطرحه كتاّب مبتدئون، مثل «كيف يصل كتابي إلى قائمة أكثر الكتب مبيعاً،»، ما ينفي الشعارات التي تروّج لها، مثل «نحن نشجع مؤلفينا على عدم مطاردة قوائم أفضل الكتب مبيعاً»، وتشتت تركيز الكتّاب على الهدف من الكتابة والنشر، بعيداً عن إغراء القوائم، وأسهل طرق تسلق قممها.

ورغم ادّعاء كل قائمة قدرتها على قياس أكثر الكتب مبيعاً، فهي إما تقيس عدداً محدوداً من مبيعات بعض الكتب في أماكن قليلة، وعدد معين من المكتبات، أو تجار التجزئة عبر الإنترنت، أو ما هو أسوأ بكثير هي قائمة منسقة من قبل مجموعة صغيرة من الأشخاص يقررون ما يجب وضعه من الكتب في قائمتهم، ويختارون الكتب بناء على ما يعتقدون أنها كتب «مهمة»، وبحسب وجهات نظرهم الشخصية، فلا تستند إلى ما يتم بيعه بالفعل، أو حتى إلى أهمية تلك الكتب، أدبياً، أو فكرياً، أو حتى معرفياً على الإطلاق.

إن مفهوم قائمة الأفضل مبيعاً قد بدأ يغزو العالم العربي، بالفعل، من خلال معارض الكتب، أو عبر منصات بيعها، لكنها ليست مجدية في رأيي إن اعتمدت في اختياراتها على أعداد النسخ المباعة، والتي لا تقيس قيمة الكتاب، ولا جودة مضمونه، بل على العكس، تحجب الأعمال المهمة مقابل التركيز على الأقل أهمية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/y6s3uej2

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"