كرة الثلج تتدحرج

00:17 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

لم تستطع القوى الدولية أن تتمثل حجم ما حدث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وما يمكن أن يؤدي إليه في المستقبل، القريب والبعيد، ولكن تطور الأحداث يشير إلى أن كرة الثلج تتدحرج بقة متسارعة، ويمكن أن تتحول إلى تهديد خطر، ليس لمنطقة الشرق الأوسط وحدها، بل لكل العالم.

ولو عدنا إلى أسباب الحروب التاريخية العظمى، لوجدناها بدأت بصراع جزئي، ولكن تخاذل العالم، أو عدم فهمه لخطورة التبعات، وتغليب المصالح الذاتية الضيقة، هو الذي سمح بتوسع شرارة النزاع إلى أن تتحول إلى صراع كوني، ذهب ضحيته الملايين من الأبرياء، واستعملت فيه كل أنواع الأسلحة الفتاكة.

نحن الآن أمام ظروف مشابهة من حيث الحدث الأمني، ومن حيث التكتلات، والمحاور، ومن حيث أيضاً السياق الزمني الملائم لمثل هذه الأحداث الكبرى. وبرغم أنّ الفاعلين الدوليين يتحدثون عن عدم رغبتهم في توسيع الصراع ليتحول إلى مواجهة شاملة، إلا أن الأفعال تشي بأن كرة الثلج تتدحرج، وتتضخّم، ولن يكون بالإمكان إيقاف مسارها. فزمنياً، نحن في بداية القرن الحادي والعشرين، ولو نظرنا إلى بداية القرن العشرين لوجدنا أنه شهد حربين عالميتين، والآن نجد الاصطفاف السياسي متشابه تقريباً، فهناك محور روسي صيني بصدد التوسع، وجمع الحلفاء من حوله، وهناك المحور الغربي الذي مازال يتشكل من ذات الدول المكونة لأحلاف القرن العشرين، مع تغيرات طفيفة، هو توحد الغرب، وعدم انقسامه كما كان في الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال.

ونحن نشهد أيضاً، أوضاعاً سياسية تمهد لهذه المواجهة الشاملة، فرفض الغرب التنازل عن سلطاته في إدارة الشأن الدولي، ورفضه حل القضية الفلسطينية على أسس عادلة، وبداية تمرّد شعوب الجنوب على الهيمنة الغربية، وازدياد قوة الصين الاقتصادية والعسكرية، وتحالفها مع القوة الروسية، هي كلها عوامل دافعة نحو هذه المواجهة الشاملة.

ولعل اندلاع الحرب في أوكرانيا كانت النذير الأول لما يمكن أن تكون عليه المواجهة، وتصريحات قادة عسكريين في حلف الناتو بأن السنوات الخمس المقبلة قد تشهد حرباً عالمية مع الحلف الروسي الصيني الإيراني، هي ليست مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي، بل هي حقائق يعدّ لها الجميع العدّة، وما المناورات العسكرية في شرق أوروبا لحلف الناتو على الحدود الروسية والتي اتخذ لها شعار محاكاة الحرب مع روسيا إلاّ استعداد لهذه الحرب المحتملة. فلا شيء في الغرب يقع صدفة، بل إن انهيار جدار الصدّ في أوكرانيا، وفشل هجومها المضاد، وتحدث الروس عن جدوى وجود دولة أوكرانية، ما هي إلاّ دليل على أن القادم هو على درجة من الخطورة، بحيث قد لا يُتفطن إلى هذا التيار الجارف إلا عند وقوع الفأس في الرأس، كما يقال.

إن استمرار الصراع في قطاع غزة بهذا الشكل الدموي، والعدواني، من قبل الاحتلال الإسرائيلي، يزيد في احتمال توسع رقعة الصراع، والأحداث المتسارعة تؤكد هذا الرأي، فما يحدث في اليمن، وتدخل الولايات المتحدة وبريطانيا في المواجهة، وما يحدث في العراق، وما يحدث بين إيران باكستان، وما يحدث على الحدود السورية الأردنية، ما هي إلاّ ارتجاجات لحدث عظيم قادم، وهذا الحدث لن يكون إلا المواجهة الشاملة التي لن يستطيع أحد أن يفلت منها. الأوروبيون منقسمون بشأن ما يحدث، والصراعات على أشدّها بين من يريد المضي في المسار الأعمى لحرب غزة، وحرب أوكرانيا، وبين من يريد أن ينقذ الموقف قبل فوات الأوان. وفي الولايات المتحدة هناك أيضاً، مثل هذا الانقسام، ولكن دعاة الحرب ما زالوا يمسكون بزمام القرار، وهم الذين يدعمون كل هذه المآسي الواقعة أمام أعين العالم. لم يعد هناك الكثير من الوقت قبل انفلات الأمور، وحينها لن ينفع الندم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3yt7wjrt

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"