كفّة الطاقة وميزان المهاجرين

00:29 صباحا
قراءة 4 دقائق

كمال بالهادي

انقضت القمة الإيطالية الإفريقية على آمال بتعزيز شراكة استراتيجية على أسس جديدة بين روما وإفري قيا، غير أن العناوين الرئيسية لم تبتعد كثيراً عن قضيتي الطاقة والمهاجرين اللتين تمثلان شاغلين مهمّين لكلا الطرفين.

عبارات التفاؤل التي عبرت عنها جورجي ميلوني وهي تعلن عن خطة «ماتي» لإفريقيا، يعطينا انطباعاً أنّنا بصدد مشروع مارشال خاص بقارة إفريقيا وتتعهد إيطاليا وحدها بتنفيذه معتقدة أنّ روما يمكن أن تعوض الاتحاد الأوروبي أو تكون البديل الأوروبي غير المغضوب عليه إفريقيّاً. وفي كل الأحوال تريد ميلوني وهي من اليمين المتطرف أن تترك بصمة في علاقة إفريقيا بإيطاليا وتغير الصورة التي علقت بإيطاليا الفاشية زمن الحرب العالمية الثانية.

إن إسناد اسم «ماتي» لخطة الشراكة الجديدة بين إيطاليا وإفريقيا، يجعلها تأخذ طابعاً اقتصادياً بامتياز، وطابعاً في الطاقة كأولوية مطلقة بالنسبة لإيطاليا، ذلك أن «ماتي» كان من المؤسسين لعملاق الطاقة الإيطالي «إيني» التي ترغب في أن تتمدد وسط إفريقيا في مسار الطاقات المتجددة. ولكن الذكاء الإيطالي يكمن في اختيار هذه الشخصية الكبرى التي كانت مؤيدة لحركات التحرر الإفريقية وهذا يدلّ على رغبة إيطالية في تغيير العلاقات جذرياً مع القارة التي باتت القوى الكبرى تتجاذبها. رئيسة الحكومة الإيطالية جورجي ميلوني وتأكيداً لهذا المسار الجديد، قالت إنه في العلاقات مع الدول الإفريقية، من الضروري «التغلب على نموذج الدولة المانحة والدولة المتلقية» والسعي بدلاً من ذلك إلى «التعاون» بين «أنداد لتحقيق المنفعة المتبادلة». ووصفت ميلوني القمة الإيطالية-الإفريقية ب«الناجحة» وبأنها خطت «نموذجاً جديداً للتعاون يجب علينا جميعاً أن نؤمن به، لأنه لا يمكن أن ينجح إلا إذا آمنا به جميعاً، على أساس الثقة والاحترام». وكانت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجا ميلوني قد قالت، إن حكومتها وضعت 5.5 مليار يورو لتمويل خطة «ماتي» للاستثمار في القارة السمراء، بشكل استثمارات وقروض ومنح، منها « نحو 3 مليارات ستأتي من صندوق المناخ الإيطالي، ونحو 2.5 مليار من موارد التعاون التنموي» التابعة لوزارة الخارجية.

الوعود الإيطالية، كبيرة جداً، لكن الواقع يكشف أن قدرات إيطاليا هي أقل بكثير من الاستجابة لحاجيات قارة تضم 55 دولة، وأكثر من 1.2 مليار نسمة. فعلى سبيل المثال كانت الوعود الصينية للقارة هي في حدود عشرة أضعاف ما قدمته إيطاليا خلال القمة الصينية الإفريقية في العام 2018، حيث كان العرض الصيني قد بلغ 60 مليار دولار، ومنذ سنة تقريباً انعقدت القمة الإفريقية الأمريكية التي تعهدت فيها واشنطن بضخ 50 مليار دولار في شراكات مع القارة الإفريقية. فهل ستقدر روما بمبلغ 5.5 مليار يورو أن تحقق فتحاً تنموياً ينهي مشكلات عويصة مثل الهجرة غير الشرعية.

ورغم حديث ميلوني عن خمسة بنود في خطة ماتي أهمها الزراعة والتعليم والتدريب المهني إلّا أن أهم نقطة تظل هي الطاقة بما أن روما لا تمتلك الموارد المالية الكافية لتنفيذ خطتها المزعومة، وهذا يشهد به سياسيون إيطاليون اعتبروا أن خطة «ماتي» هي مجرد خدعة. فقد أكد برلماني إيطالي معارض، أن «خطة ماتّيّ لإفريقيا، ما هي إلا خدعة كبيرة»، ف«الحكومة الإيطالية تمارس ألعوبة وهمية بموارد إضافية لا وجود لها، يتم الحصول عليها من أموال أخرى متوفرة أصلاً». وقال عضو مجلس النواب من حزب (+ أوروبا) ريكاردو ماجي، في تصريحات صحفية الثلاثاء، إن «هذه القمة تخاطر بأن تكون محض استعراض يلحق الضرر بإفريقيا». وأضاف ماجي، وهو أمين سكرتير حزبه، أن «خطة ماتي عبارة عن صندوق فارغ، فلا توجد مشاريع حقيقية، وليست هناك موارد إضافية، وفوق كل شيء لا وجود لشراكة سياسية». وخلص ماجي إلى القول، إن هذه الخطة «ستنتهي كما حدث في الاتفاق مع تونس: بشكل غير جيد». ومثل هذا الرأي عبّر عنه الأفارقة الذين حضروا قمة روما. فرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي، قال إن «إفريقيا مستعدة لمناقشة أبعاد وأساليب تنفيذ الخطة الإيطالية لإفريقيا، التي كنا نأمل أن يتم التشاور بشأنها». وكان فقي قد شدد، في كلمته أمام القمة الإيطالية الإفريقية على «ضرورة الانتقال من الأقوال إلى الأفعال: ستدركون جيداً أنه لم يعد بإمكاننا الاكتفاء بوعود بسيطة لا يتم الوفاء بها في كثير من الأحيان». أما الرئيس التونسي قيس سعيّد فقد أشار إلى أنّ المؤتمرات السابقة تعددت ولكن في كل مناسبة تقريباً لا تنبثق عنها سوى الإعلانات، من عاصمة إلى أخرى، «فكلٌّ يريد أن يكون قاطرة والدول الإفريقية عربات مجرورة في الاتجاه الذي يحدده أصحاب القاطرة» وفق توصيف الرئيس التونسي.

ولاحظ سعيّد أن كل المآسي بإفريقيا حصلت وتحصل في الوقت الذي تمتلك فيه إفريقيا ثلث ثروات العالم ونحو2.4 تريليون دولار أمريكي، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن يرتفع هذا الرقم على مدى السنوات العشر المقبلة وفقاً لآخر تقرير للثروة في إفريقيا لعام 2023.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5bcfsn8z

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"