السياسة النقدية والمصارف

22:44 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة*

مهمة المصرف المركزي هي وضع السياسة النقدية المستقلة التي تهدف أولاً إلى محاربة التضخم، وبالتالي الحفاظ على قيمة النقد الوطني في الداخل وعبر أسعار الصرف. ربط الليرة بالدولار منذ التسعينات سمح للبنان بالسيطرة على التضخم بعدما كان لنا احتياطي نقدي كبير، وكان في الداخل والخارج بعض الثقة بإدارتنا لبلدنا. أما اليوم فالوضع تغير، والاحتياطي النقدي غير كافٍ للاطمئنان، كما أن الثقة ضعيفة بدءاً من الداخل إلى الخارج. فهل تبقى السياسة النقدية كما هي في ظروف متغيرة متبدلة لا أفق لنهايتها؟ يجب على السياسة النقدية أن تسير في الاتجاهات التالية مجتمعة:

أولاً: التخلي عن ربط الليرة بالدولار بسعر رسمي، واعتماد سعر السوق الحرة كسعر واحد لليرة تجاه الدولار، كما يحصل في معظم دول العالم. مهزلة اعتماد أو تطبيق أسعار صرف متعددة تسيء إلينا كمجتمع وتضر باقتصادنا وتوتر أسواقنا.

ثانياً: بعد تصحيح الأوضاع المصرفية والقيام بالإصلاحات المطلوبة عبر الدمج مع احترام المنافسة، يجب أن تكون رقابة مصرف لبنان على المصارف صارمة وعادلة ومهنية؛ لأن من غير المقبول ما حصل، ولا بد من التعلم من تجربة اليوم السلبية.

ثالثاً: لا بد للمصرف المركزي أن يرافق التجدد المعتمد اليوم عالمياً، أي إدخال النقد الرقمي والمشفر المحلي لمن يرغب في التوظيف فيه. يجب على مصرفنا المركزي وضع تعاميم السلامة التي تسمح للمواطن في الداخل أن يستثمر بشفافية في هذه العملات. وضع شروط أمان مهم جداً، تجنباً لما حدث في الخارج من مصائب، بسبب الجشع والمغامرة كما الفساد.

رابعاً: أسواقنا المالية ما زالت بدائية ولم تُعط لها فرص كافية، بل ربما لم تكن هنالك رغبة حقيقية في تطويرها. لا نريد نسخ تجارب نيويورك ولندن، فتجارب بعض الدول العربية الناجحة كالإمارات تكفينا للتعلم واعتماد الأفضل لنا ولأسواقنا.

من هنا لا بد من إصدار قوانين جديدة لمعالجة الكارثة المصرفية. الأوضاع السياسية من فراغ رئاسي وشلل حكومي وتعثر برلماني تؤخر كل تقدم. نضيف إليها حرب غزة التي تؤثر في كافة جوانب الاقتصاد. من الضروري أن تكون القوانين الجديدة مؤقتة لتعالج أوضاعاً استثنائية خاصة. قانون السرية المصرفية المقترح مهم، شرط ألا يقتلها لأننا استفدنا سابقاً من هذه السرية، وهي ليست السبب في المأزق الحالي. قانون القيود على رؤوس الأموال يجب أن يقيد خروج الأموال من لبنان لفترة مؤقتة، لا أن يقيد المواطن في مصروفه وسحب أمواله. تعاميم مصرف لبنان الحالية مرتبطة بسحب المواطن لأمواله من المصارف، وهي بمعظمها كميات قليلة تسمح له باستمرار العيش ولن يهرّبها. وضع قيود على خروج الأموال لا علاقة له بالتعاميم التي تسمح بسحب أموال محدودة من الحسابات. كنا نتوقع أن يبدأ اعتماد سعر الصرف الحر الواحد قبل أعياد آخر السنة، مع سماح الحاكم للمودع بإنعاش ميزانيته والشعور بالرضا وهذا ما لم يحصل.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2b3yuknv

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"